زارني في المنام قبل أيام صديق عزيز، استبشرت بقدومه وطويت أوراقا كانت أمامي في المكتب لأمنح له كل اهتمامي كعادتي معه، هو إنسان حكيم ممتع، لا تسنح فرصة الجلوس إليه كثيرا، فما بالك إن جاء يطرق باب المكتب وقد دخل مبتسما حاملا خلفه مفاجأة وخبرا مفرحا..

بعد التحية المتبادلة والسؤال عن الحال الأحوال، قال لي متحمسا: هل سمعت بما حدث؟ أجبته: لم أسمع بشيء ذي بال.. بشرني يا صاحب البشرى، قال: أخيرا أفرج قائدنا المبجّل عن موعد الانتخابات، وسنتنفس هواء جديدا بعد أشهر قليلة.. أجبته متذمرا مستغربا: ألهذا جئتني؟ هممت أن أعود لأعمالي فلم أفلح.. قررت حينها أن أقطع الحلم.. كيف لي أن أمقت هذه المواضيع في يقظتي، لتتسلل إلى منامي؟!

فزعت من هول الفزع، استغفرت ربي، وشربت كأس ماء عذب سرت به الروح ثانية في جسدي.. استعذت بالله من الشيطان الرجيم.. ثم عدت للنوم⁩ أطلب أحلاما أجمل..

لكن.. القصة مستمرة، والحلم ينتظر عودتي ليتواصل، كمن أوقف⁩ مقطع فيديو ثم عاد ليشاهده.. يا إلهي.. ما الذي يحدث؟!

وجدت صديقي هادئا في مكانه ينتظر، كأنه توقع عودتي بثقة بالغة في نفسه.. قال لي: أين تهرب؟ أوتظن نفسك قادرا على ذلك؟ هذا قدرك وليس عليك سوى الامتثال والاستسلام.. دعني أحكي لك.. لم آت إليك إلا لأطلب منك الترشح.. وسأخبرك لماذا؟!

ضحكت طويلا.. حتى أوقفني بحزم وانفعال.. استمعت إلى كلماته بأذني.. بينما كان ذهني يلتقط أنفاسه بالشرود واستدعاء أية مواضيع أخرى خارج هذه المتاهة.. أما عيني فكانت تمر على صور شتى مستذكرة مستغرقة في تفاصيلها.. كنت كمن يتخبط.. لكن دون أي حراك..

هالني ما حدث لصديقي الذي كان دائما أملي رفقة أسماء أخرى تعد على الأصابع.. هم مثلي الأعلى في السمو فوق الأحداث اليومية، وتجاوز أعراض الأزمات، يغوصون في أسبابها ولا يلهون في الشاطئ.. لا يغريهم ببعض البريق والهدوء، ولا بما يرميه البحر من متاع قليل..

أخبرته أني سأعتبر نصيحته ودعوته إهانة خالصة لي وللبلد.. بأن صنفني مع تلك الكائنات التي تسارع لترشيح نفسها لمنصب رئيس الدولة، دون أي اعتبار لثقل المسؤولية، ودون أي احترام لحجم الموقف، ودون أي مراعاة لقصر نظرهم وقلة حيلتهم.. أشخاص عابثون يملؤون الشاشات ضجيجا، يطلقون وعودا صبيانية لا يتقبلها الصبيان أنفسهم.. يستنزفون منا رصيد الصبر على الكآبة التي صبغت البلد لعقود.. يختبرون فينا كل عقل ورشد ووعي.. وقليلون منا من ينجون..

وإهانة أخرى أكبر لبلد بحجم بلدنا ليرشح له شخصا لا يقوى على تسيير حلمه.. فكيف بالواقع؟!

شكرت الصديق على زيارته لي في وضح النهار ليلقي علي تلك النكتة.. شكرته في المنام.. ولم أفعل ذلك بعد في الواقع.. هو لا شك يقرأ هذه الكلمات.. ربما سأخبره لاحقا.. وربما لا أفعل..

بيت القصيد: قيادة البلد ليست بالتهريج.. ولا بالشعارات التي تدغدغ العواطف.. ولا بتوزيع الأحلام على الناس كما يفعل باباهم نويل..

إلى ذلكم الحين.. لا نفقد الأمل.. ما دام هناك أمل..