كنت قد قررت الكتابة هذه المرة حول موضوع بعيد عن التدوين وما يدور في فلكه، كوني ربما قد أكثرت وأفقدت المدونة توازنها وأخللت بتنوع مواضيعها بين تخصصاتها التي وضعتها أول يوم من إطلاقها، لكن من جهة أخرى فعلى المدوّن أن يجاري الظروف ويواكب المتطلبات في كتابته من خلال واقعه ومحيطه.

بعد لقائي بالمدونين منذ يومين والذي أعتبره ناجحا إلى أبعد الحدود وبدون أية مجاملات أو مزايدات، كانت هناك ردود أفعال متباينة سواء على صفحات الفيسبوك، أو من ردود الزوار والقراء مشكورون، وكذا من خلال الأصداء المباشرة حولي، فكانت هناك أسئلة بريئة وطبيعية كـ: ما معنى التدوين؟ ولماذا تدون؟ وما هدفك من وراء ذلك؟

طبعا لست لأجيب هنا عن السؤال الأول فجوابه متوفر في الأنترنت بكثرة، وطالما أجاب عنه غيري، أما السؤالين الآخرين، فأحوّرهما إلى هذا الشكل: ما هو أملك من التدوين؟ وليس الهدف، لأن الأهداف تختلف من شخص لآخر، كتنمية مهارات الكتابة، والاستزادة من التخصص، والتواصل وغيرها… ولكن الأمل (الرسالة) غالبا ما له علاقة بما وراء السطور، فهو متّحد عندنا بعدما لمسته من عيّنة المدونين الذين التقيت بهم، فما أمل كل واحد منا من وراء ما يكتب؟

أملي أن أجد تفسيرا لما يجول في خاطري من مشاهد في الواقع سواء في وطني الجزائر، أو مجتمعي الصغير، أو حتى في أوسع دائرة منهما، فأتخيل جمعا كبيرا من المدونين يكتب، وجمع أكبر من الناس يقرأون، وهناك فقط سنجد نتائج واضحة في واقعنا وتصرفاتنا، فالوعي – الدعوة بمصطلح الدين- هو ما ينقص ويسعى كل من زاويته في بثّه بين الأوساط، فالأنترنت ملتقى الشباب وكل شرائح المجتمع، وجميل أن نضمّن مدوناتنا مواضيع اجتماعية بين الحين والآخر انطلاقا من كون المدوّن شخص طبيعي يعيش واقعه كأي إنسان، ومن أمثلة ما يمكن أن يصنعه المدوّنون ما يلي:

  • تغيير مفهوم اليأس والقنوط عند الناس في بلادنا، وربط ذلك كل مرة بكوننا عرب، ولا يمكن أن تتغير الأمور مادام في الأرض “عرب” وغيرها من القناعات الراسخة الخاطئة جملة وتفصيلا، فلو كان هناك نخبة من المدونين يبينون نصف الكأس الممتلئة، ويظهرون الزوايا المضيئة في وطننا، لتغير الحال للأحسن، فلسنا أبدا بهذا السوء، -وإن وجد- فلا يكون عثرة في حياتنا نتوقف بها تماما، أو يكون وسادة نتكئ عليها أو مشجبا نعلق عليه كل أعذارنا وذرائعنا، فالأمل موجود وما مثال نجاح فريقنا الوطني عنا ببعيد، فالأرض محروثة يبقى من يزرعها ويولي لها العناية فقط.
  • معالجة تدهور الأخلاق في أوساط شبابنا، ولا أدّعي أن هذا منحصر على “الجزائر” فقط كما يصوّره البعض في كتاباته، فالجزائر ليست بدعا من العالم، والصورة نفسها موجودة في كل البقاع، غير أن الاختلاف في النسبة، وإصلاح الأمور لدينا يمكن أن يكون بين يدي مجموعة مدونين ذوو كلمة مؤثرة وأسلوب ذكي يكتبون وينصحون ويذكرون، ربما بعدها نجد أن الواقع يتحول لنسق آخر ملؤه الاحترام والوئام أخلاقيا نسبيا كذلك، ولا أدعو لمدينة فاضلة مثلما رآها أفلاطون.
  • تجسيد مفهوم النظافة عندنا والحس البيئي فهما متدهوران جدا فينا، وسببه دائما عندنا “الدولة” و”الحكومة”، نعم يمكن أن يتحملا جزءا من المسؤولية لكن هل هي كل الحقيقة؟ أرجو من المدوّنين الحديث حول الأمر والسعي لإيجاد حلول عملية للخروج من المستنقع المرير.

هجرة الأدمغة، مفهوم الإتقان، العلاقات الاجتماعية والأسرية… إلخ، كلها ملفات ضخمة يمكن أن يكون لها مجال في مدوناتنا لتناقش بكل حرية وموضوعية، فنلاحظ أن القائمة طويلة، وكلما طالت كان الأمل والعمل كبيرين، وهنا لا بد أن أشير لكل مدون ألا يكتفي بسرد الأحداث فقط، ولكن بث الحلول، وإن كانت ناقصة فمجرد فكرة منك وتفاعل من قارئ لها، نجد أن عددا كبيرا سيستفيد منها، ولنتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة….”.

التدوين كما نعلم يكون مفيدا وجميلا بطبيعته البسيطة، فليس شرطا أن تكون كاتبا فذا، أو ناقدا حذقا، كل ما في الأمر أن تنقل تجاربك مهما كان مستواك، شرط ألا تتعدى حواجز التخصصات، ولا تسبح في بحر غيرك لأن مصيرك لا محال الغرق، كما لا تفتي فيما لا تعلم.

فعندما نقول إن التدوين في الغرب تطوّر وأخذ أبعادا مهمة، فذلك لكون رواده امتلكوا تلك الشجاعة التي تنقص شبابنا، وحوّلوا قضاياهم التي انتظروا طويلا -مثلنا- أن يجد لها الخبراء حلا في مخابرهم إلى مدوناتهم وناقشوها وصاغوا لهم حلولا واقعية جعلت آلاف الناس يتخذونها منهجا ودليلا.

أملي في المدونين أن يكونوا حاضرين في المناسبات بكتاباتهم، منورين هادين، فإن كانت المناسبة وطنية فكلنا جزائريون، وإن كانت دينية فكلنا مسلمون، وإن كانت بشرية، فكلنا إنسانيون، وهكذا، أكتب ودع الناس يناقشونك، تفاعل معهم واعلم أنك أنت الرابح في الأخير، فإن كان رأيك صوابا اعترف لك غيرك بالفضل، وإن كان غير ذلك فقد تعلمت شيئا جديدا، وما الحياة إلا دروس وعبر.

نريد من المدون أن يتسم بالحرية في الطرح دون القفز على الحدود والأعراف، ويتزن بالوسطية دون الغلو والتطرف يمينا أو يسارا، وكذا أن يتصف بالدقة والوقف كلما أشكل عليه الأمر، فلا عيب في قول لا أعلم.

نصيحتي في الأخير لكل من يراوده الشك في أن يكتب، وهو على علم بقدراته وعلى قناعة بإمكاناته، أن يبادر لحجز مساحة له في الأنترنت بدون تحديد الطريقة والوسيلة، المهم أن تسمع صوتك وتبلغ أفكارك، ونصيحتي للمدونين بالتكاثف والتعاون، ومد يد العون لمن يريد الالتحاق بالركب، ففي زمان السرعة هذا إما أن تؤثّر أو تتأثّر، ويحدث ذلك بين ليلة وضحاها.

هذا بعض أملي من التدوين لأن الأمل أكبر بكثير، فما هو أملك أنت؟