تطالعنا وسائل الإعلام هذه الأيام بأهم أحداث 2012، بكل تخصصاتها وتوجهاتها وخلفياتها، حتى صار الأمر أشبه بمعركة إعلامية خفية يختلف فيها الكثير بين كون هذا الحدث هو الأهم أم ذاك؟، وأي منهما الأول ترتيبا وأي منهما الأخير… إلخ، كيف تجري الأمور في هذا الموضوع؟ من الذي يختار؟ وكيف يتم الاختيار؟

لو نقوم بجولة خفيفة في عيّنة من القنوات الفضائية والجرائد والمجلات، لنتأمل ونقارن بين اختياراتها وترشيحاتها لأهم أحداث العام على شرط أن يتم ذلك في نفس التخصص، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الرياضة، الثقافة أو الاقتصاد، الكوارث أو الإنجازات، فسنجد هناك اختلافا جزئيا في الأغلب وجذريا في القلة القليلة، وبشيء من التحليل نرجع القضية للخلفيات والتحيزات من جهة، ولحجم القضية في خريطة إدراك من قرّر بشأن أهميتها أو تفاهتها.

ولتقريب المفهوم أكثر، نستقرئ التاريخ القريب، ونتأمل في تحليل نشرات الأخبار لمقتل شخص في دولة معينة مما يسمى (العالم المتقدم)، ونرى لحجم الهالة الإعلامية على الحدث بعد وقوعه، ليدخل آليا ضمن قائمة أحداث العام، فيما هناك في مناطق أخرى من العالم في نفس الوقت مقتل العشرات والمئات من الناس لكن بتغطية انتقائية تمييزية غير بريئة، يجعل من الحدث لا حدث، ينسى ويدخل أرشيف التاريخ دون اعتبار.

هذا، وأيضا ما تعلق بالكوارث الطبيعية، فإن وقع شيء من ذلك في منطقة مأهولة إعلاميا، تملك مفاتيح الخبر في يدها جاءت قيمته من ذهب في ميزان الأحداث العالمية، أما إن كان الزلزال أو البركان في إحدى الدول التي لا تسمع عنها إلا نادرا، فذلك حدث عابر عند محطات الإعلام حينها،  ثم لا يحظى بالتذكر آخر العام.

الإشكال لم يكن في وجود قائمة لأهم أحداث العام في وسيلة إعلام غربية مرموقة احتكرت المناصب الأولى لما يهمها ويقربها، فهذا في رأيي من حقها ولا يمكن أن يحاججها أحد عليه، باعتبار أن الجميع في هذا المجال يخدم أفكاره ويبني سمعته ويسوّق فكره، إلا أن المصيبة الأكبر هي ترجمة تلك القوائم حرفيا من وسائل إعلام عربية ونشرها كما هي دون تدقيق ولا اجتهاد إضافي في الدخول إلى التفاصيل واكتشاف الخبايا والانعكاسات، بل الأدهى من ذلك والأمرّ أن يكون التفاخر بالمصدر والمرجع لتلك القائمة كل ما ذكرت من باب أخلاقيات المهنة.

ألا يعلم هؤلاء أن الرسائل الإعلامية التي تمرر بعد الترجمة الحرفية لا تفقد جرعاتها المضمرة، بل تتغوّل في ذهن المتلقي دون شعوره إلا إن تفطّن لها، فكيف ينتظرون من تلك القناة الفضائية الفلانية أن تحدد قائمة بأهم أحداث العام وفق خطها التحريري، وعلى ضوء نموذجها في التحليل والتعامل مع القضايا العالمية، ثم يترجمونها تخفيفا على القارئ المستهلك ليعتبر ويقرّ بكون هذه الأحداث أهم ما ميز العالم، دون سواها، في حين أنه هو ربما صانع حدث أهم لكنه افتقد لسند إعلامي يبين له ثقل إنجازه وقوته.

يبقى أن أشير إلى أن ما ذكرت يحدث بشكل أكبر في أهم الأحداث السياسية والثقافية وما يدور في فلكهما، فيما يقل نوعا ما في مجالات الرياضة والتقنية نظرا لكون مراكز الثقل فيها واضحة ومشتركة للجميع تقريبا، مع ذكر قوائم أكثر الشخصيات تأثيرا أيضا، وما يقع فيها من توجيه صارخ وتجاهل واضح، في لعبة تحكمها قواعد غير عادلة وشروط غير متزنة ولا متوازنة، الطامة فيها هي ترجمتها كما هي والتغني بها كما جاءت.

هذه اللعبة، هناك من يتقنها ويتفنن في لعبها كل عام، وهناك من ينام في مخدة من حرير، لا يأبه لما حوله جهلا أو تجاهلا، غفلة أو استغفالا، يقيس الأمور ببراءة كبيرة، ويقلّد بداعي الإبداع، بيد أنه بهذا يغرد خارج سرب فكره وخلفياته، يسقط ويُسقط معه أعدادا غفيرة ممن وثق فيه، فاعتقد ما يعتقد وهضم ما يطبخه على نار هادئة بوصفة مستوردة شكلا ومضمونا.

ميزان القوى الإعلامي الذي لا نملكه حاليا هو الذي يكرس هيمنته بتحديد أهم أحداث العام ويجعل العالم يتفاعل معه على ضوئها إلا النادر ممن فهم الموضوع وتفاعل معه في الاتجاه الصحيح، هي فكرة لا أدري إن وصلت، لكنها بحق وقفت عليها بعد دراسة وتحليل لا زالا متواصلين، أرجو أن يصل المفهوم بشكل واضح، والفكرة للإثراء والبحث أكثر، فآراؤكم تهمني وتهمكم…!