المجتمعات الخصبة فكرا والحيّة علما وعملا تخطو خطواتها نحو الأفضل وتحقق أهدافها بالإنسان، فتتعهّده بالرعاية والتربية والتعليم، ليرقى لأن يكون من أصحاب الرأي والقول السديد، والأهم من ذلك كله الفعل الرشيد.
يمكن أن نبلغ المراتب ما شئنا في ذلك، ونرتقي سلّم الحضارة إن نحن اعتمدنا على أمرين أساسيين بعدل وحكمة، الاستثمار في الإنسان موازاة مع الإنفاق في الوسائل والبنيان، وأي تقصير في أحدهما يخلّ التوازن ويحدث الأزمات.
لو تأملنا ميدانيا الاستثمار في الوسائل والبنيان لوجدنا أثرا طيبا على العموم، فلم تكن هناك عوائق كثيرة في تشييد المدارس مثلا وتجهيزها بكل المتطلبات، ومصادر الخير في ذلك موجودة بوفرة ولله الحمد، إلا أن العمل في الشق الثاني وهو الأهم والأولى في الأصل لا زال يحتاج لبذل المزيد من الجهد، شخصيا وأسريا وعلى مستوى المجتمع ككل، ولعل أبرز خطوة للبداية هي التخلي عن بعض الذهنيات البالية المتراكمة بفعل الزمن، كالنظرة المادية لكل شؤون الحياة أخذا وعطاء.
الاستثمار في الإنسان بتدريبه وتكوينه ومعاهدة شؤونه الخاصة منها والعامة، يجعل من أي مشروع، رائدا قويا، فإن كانت نتيجة الإنفاق المادي على الوسائل والبنايات تظهر في حينها، فأن بذل الكثير في العقول والقلوب تحديثا وتنمية يحتاج لزمن شبه طويل كي تزهر النتائج، وعلى المجتمعات أن تعي هذا وتضحي لأجله إن أرادت نقلة حضارية تصمد طويلا لا مجرد بوادر سرابية سرعان ما تأفل.
لنقدر جهود من ينحى هذا المنحى، ولنثمن أيضا خطوات من في الميدان مثابرا عاملا، نرشده بالحسنى إن كان ذلك مطلوبا، أو نعينه على ما يفعل بالصمت إن لم نقل خيرا!
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا