في مدخل الطائرة اختفت خلف قناع الوجه تلك الابتسامات المعهودة التي تستقبل بها المضيفات والمضيفون المسافرين، وبعبارات الترحيب والتوجيه لكل مسافر نحو مقعده مررت مع الرواق إلى أن وجدت مقعدي قرب باب النجدة، وهي منطقة مفضلة عندي لما تمتاز به من مساحة أوسع تتيح لي تمديد قدمي والجلوس براحة أكبر، وكذا تعديل الكرسي دون أن أزعج الراكب من خلفي.

لفت انتباهي وجود رمز WiFi في المقعد أمامي، وهي ميزة جديدة في الرحلات بإتاحة الاتصال بالإنترنت طيلة الرحلة، بعدما كانت بعض شركات الطيران تقدم الخدمة في أجنحة الدرجة الأولى ودرجة الأعمال، بينما تمنح الراكب في الدرجة الاقتصادية 10 ميغابايت مجانا، والباقي عليه دفعه بمبالغ كبيرة إن أراد، ولكن هذه المرة وجدت نفسي متصلا طيلة الرحلة التي استغرقت حوالي ساعتين وربع، تخللتها وجبة خفيفة دون تقديم القهوة والشاي كما عهدت مع القطرية والتركية، وهي عادة الإنسان كلما دفع مقابل خدمة يحاول مقارنة ما دفعه بما استفاد قيمة وجودة.

وصلنا إلى مطار شارل دو غول في باريس، وهو المطار الذي كنت أمر عليه ترانزيت في أكثر من رحلة إلى اسطنبول مستغلا عروضا جيدة بأسعار منخفضة جدا قبل سنوات، قبل أن يغلقوا فرصة السفر إلى تركيا عبر الخطوط الجوية الفرنسية إلا لحاملي تأشيرات شنغن سارية المفعول والقليل النادر من الاستثناءات لمن يتوسم فيهم مسؤول الرحلة بعض السمات ويقرر منحهم حق الصعود للطائرة، بينما نعاني من تبعات جواز السفر الذي نحمله، فهو يجلب العار أكثر من أي شيء، كيف لا وقد قيل لنا إن سبب المنع هو هروب بعض “الحراقة” في مطار باريس، وكأننا حفنة مهووسين بخرق قوانينهم، حيث يذهب الجميع ضحية تجاوزات فردية، وحتى دون ذلك، فأسعار الرحلة صارت غالية غير منافسة، مما جعلني أختار التركية غالبا وأحيانا الخطوط الجوية الجزائرية في أسفاري نحو اسطنبول.

في المطار كانت تنتظرني حوالي 12 ساعة لأواصل الرحلة نحو الدوحة، ولحد اللحظة لست متأكدا من مواصلتها بسبب مستجدات كورونا، تظهر في المطار قلة الحركة مقارنة بالأيام العادية، إلا أن شاشات الرحلات تشير إلى وجود الكثير منها نحو مختلف الوجهات العالمية، قمت بجولة في المطار وأنا أحمل حقيبة على ظهري، بينما حقيبتي الثانية ترسل مباشرة من الطائرة الأولى إلى الثانية، أغلب المحلات كانت مغلقة، وأغلب البوابات كانت فارغة في المبنى الذي سأركب منه، فقد اتبعت الإرشادات واللافتات التوجيهية مستعينا بتطبيق شركة القطرية للوصول إلى المبنى المطلوب.

أثناء توجهي من الطائرة إلى مبنى الركوب للرحلة المقبلة، مررت بمنطقة الوصول، وهي التي يدخل منها المسافرون إلى باريس، لاحظت وجودا مكثفا لمكاتب إجراء فحوصات كورونا، وحركية واضحة للأطباء والممرضين مع طوابير من المسافرين، وربما هي اللحظة الوحيدة التي لم تتملكني الرغبة مطلقا لدخول المدينة ولو كنت أملك التأشيرة (الفيزا) رغم وجود أحباب وأصدقاء فيها، وهذا نظرا للوضع الوبائي المتصاعد في فرنسا، والصحة هنا مقدمة على كل شيء، ولا نكهة في زيارة أي مدينة مهما كانت في هذه الظروف، كل ما كنت أرغب فيه هو الوصول بسرعة وأمان لوجهتي.

مرت الساعات بين تجول وصلاة ونوم وتواصل مع الأحبة عبر واتساب وأخواتها، والحمد لله على نعمة الإنترنت، إلى أن بقيت حوالي 3 ساعات للرحلة، قصدت بوابة الركوب ووجدت هناك بعض الموظفات بزي شركة الخطوط القطرية، تقدمت إلى المكتب وسألت عن الرحلة، قالت لي هي في وقتها، وطلبت مني الجواز وبعض الوثائق، وقامت باتصال هاتفي تخبرهم باسمي ووجهتي النهائية، بعدها تأكدت معي بإجراءات الفحص التي تتطلبها سلطنة عمان، وأخبرتها بعلمي بها وأن كل شيء على ما يرام، سلمت لي واقيا بلاستيكيا شفافا للوجه، يطلب من كل المسافرين على متن الخطوط القطرية لبسه زيادة عن الكمامة، جلست قرب البوابة إلى أن حان وقت الركوب.

حان دوري ودخلت الرواق المؤدي للطائرة، وهنا كان الإحساس في أوجه، وهي الشركة التي أحترمها كثيرا وأتأمل دائما تلك التفاصيل الصغيرة التي تعمل عليها في التقرب وقراءة وتوقع ومغازلة عملائها باختلاف درجاتهم، وكلما ارتقيت معهم صارت الفخامة أكثر وأكثر، حقا القطرية مدرسة في التسويق وتقنياته، ومرجع في فهم سلوك المستهلك وحاجاته، وهو ما سيأتي لاحقا في وصفي للرحلة، دخلت الطارة وكم كانت دهشتي من حداثتها وتطورها بديكور فخم تزينه أضواء Led والكراسي الواسعة المريحة في الدرجة الاقتصادية، فما بالك بالدرجة الأولى ودرجة الأعمال.

يتبع في الحلقة القادمة..