لما توقفت حركة الطائرة بشكل تام في موقفها النهائي قمنا من مقاعدنا لنستعد للخروج عبر النفق المؤدي إلى مطار حمد الدولي في الدوحة ولم تكن عندي حينها أدنى فكرة عن ظروف المطار وإجراءات تعاملهم مع وباء كورونا، إلا أني كنت مرتاحا نفسيا أن الوضع سيكون بنفس الفخامة والعناية التي توليها الدوحة لزوارها أو المارين بها في رحلات الترانزيت، فالمطار تحفة فنية قيل لنا إن مصممها جزائري مغترب في فرنسا، وهذا بحد ذاته أمر يستدعي الفخر ويطرح الكثير من الأسئلة.

دخلت المطار الهادئ بديكوراته المنتقاة بعناية، الحيوي بحركة المسافرين، وأنا أستذكر لحظات جميلة ومغامرات شيقة حدثت لي فيه في العديد من رحلاتي السابقة، وبعد المرور على إجراءات التفتيش الروتينية للانتقال إلى منطقة الرحلات المحولة (الترانزيت) وجدت نفسي أمام التمثال الأصفر المميز والذي يتسابق المسافرون عادة لأخذ صور تذكارية أمامه ثم إرسالها لأحبابهم أو نشرها في حساباتهم الاجتماعية، ومن كان مارا أو لم تستهوه الفكرة قد يطلب منه شخص آخر أو مجموعة مسافرين بأخذ صورة لهم، وهو طلب بسيط لا يُعتذر منه غالبا.

اتجهت نحو صالة الامتياز Lounge المعتادة لأرتاح هناك، إلا أن موظفا كان في أسفل الدرج الآلية وجهني نحو قاعة أخرى باسم “المرجان” وهناك كان الارتياح على أوجه بالخدمات المتاحة فيها، والديكورات الفاخرة جدا، والاكثر من ذلك الاستقبال الرائع الذي خصني به عون استقبال مغربي فرح بي عندما اكتشف أني جزائري، وقام مشكورا بشرح مرافق الصالة، وطلب مني الاتصال به إذا احتجت أي شيء، دخلت متوجها نحو غرفة تتوفر فيها خزائن لحفظ الأمتعة، وهناك أيضا كان في بابها موظف آخر يقدم الخدمة بابتسامة احترافية، سارع نحو خزانة فارغة ووضع فيها حقيبتي وطلب مني تشكيل رقم سري يمكّنني من فتحها كلما احتجت لذلك، وسلم لي بعدها بطاقة برقم الخزانة وهو 47، رقم مميز ذكرني بشيء خاص.

حوالي عشر ساعات كانت تنتظرني لأمضيها بين الصلاة والاستراحة والعشاء والتواصل مع العائلة والأحباب وحتى شيء من القراءة والتجول في أرجاء المطار ومحلات السوق الحرة Duty Free، وكان لي ذلك والحمد لله، بدأت بجولة في مرافق الصالة بمطاعمها الثلاثة المتنوعة، أكبرها في الطابق الأول مطل على الصالة، تتوفر كلها على أشهى المأكولات من كل لون ومذاق، من الأطباق الرئيسة إلى السلطات إلى الفواكه إلى المشروبات الساخنة والباردة والحلويات والمكسرات، بخدمة Self Service أو الجلوس في الطاولة والاختيار بقائمة الطعام، مع توفر مرافق للراحة للأفراد والعائلات، بأرائك فخمة بجانب كل منها مقبس لشحن الهاتف ولوحة إلكترونية لتصفح الإنترنت المتوفرة في كل أنحاء المطار، وأجهزة كمبيوتر وفضاء مخصص للأعمال وإنجاز المهام المهنية، كما في الصالة مرافق صحية عالية الجودة، مما يتيح للمسافر الاستحمام لاسترجاع لياقته من جديد، لمواصلة رحلته بنفس جديد.

بعدما أتممت كل ما أتيح لي، أخذتني غفوة في مكان مريح وهي شبه غرف مغلقة مع أسرّة مريحة، بعدما تأكدت من برمجة منبهي في الوقت، إلى أن قمت مجددا لأبدأ جولة في المطار، وقد كانت هناك محطات معتادة لا أفوتها، متأملا مستلهما مستغرقا في لحظات تفكير واستنتاج ومحاولة إسقاط، وهذه طبيعة كل إنسان مهتم بمجال التسويق وإدارة الأعمال، ولا أجمل من شعور البحث في الأسباب، والتعمق فيها والتفكّر، وما فازوا بمعجزة علينا، ولكن في أمورهم نظام، وإتقان، وإرادة، وإبداع، وفي كل محل من المحلات، وفي كل متجر، وفي كل مرفق، متعة في النظر إلى الديكور، ومشاهدة الإضاءة الموزعة بإتقان.

عندما اقترب موعد الرحلة نحو مسقط، بحثت في شاشة عرض الرحلات عن البوابة، ومنها اتخذت مساري ماشيا نحوها، ثم في الرواق المتحرك آليا، ملتفتا يمينا وشمالا علّي ألتقي بشخص أعرفه كما حدث في أكثر من مرة سابقا، إلى أن وصلت إلى مكتب مراقبة جواز السفر والتذكرة، وإجراءات الوقاية الصارمة كذلك، ومنها إلى قاعة الانتظار قبل الصعود للطائرة، وهناك جلست لأنهي بعض الاتصالات المتعلقة بالعمل، خاصة أني لم أخبر الجميع بالسفر إلا من عرف من المقربين، هناك كانت الكراسي مفصولة بين كرسي وأخر بأشرطة لاصقة تحتوي على توصية التباعد.

بدأت إجراءات الصعود إلى الطائرة وقد امتلأت عن آخرها تقريبا على خلاف الرحلة السابقة، وكما هو عليه الحال فكل شيء في المطار يمر بالأولوية حسب فئات المسافرين، بدءا بأصحاب الامتياز كدرجة الأعمال والدرجة الأولى، وكذا أعضاء نادي الامتياز من الدرجة البلاتينية والذهبية والفضية إلى العنابية، وفي ذلك نظام قد لا يفهم من البعض ويراه نوعا من التمييز غير المبرر، إلا أنه في سياق الأعمال وقانون المنافسة أمر طبيعي ومنطقي، فالتعامل مع الزبائن مبني على الولاء وكسب ثقة العملاء، وإلا فلا يمكن إدارة وتسيير الجميع بنفس درجة الاهتمام.

ركبنا الطائرة، وانطلقت نفس الخطوات الروتينية في كل رحلة، لعل أجملها تلاوة دعاء السفر بنبرة فصيحة أنيقة عبر شاشات الطائرة ومسمعاتها، وما إن استوت الطائرة في الجو حتى استغرقت في مواصلة مشاهدة فيلم كنت قد بدأته في الرحلة السابقة، وماهي سوى ساعة حتى أعلن قائد الرحلة عن قرب النزول في مطار مسقط الدولي، ولكم أن تتصوروا حجم الارتياح والترقب لبلوغ الوجهة النهائية، بعد غياب طويل ورحلة طويلة على غير العادة.

يتبع في الحلقة القادمة..