البحث عن الأجود، وطلب الأفضل، رغبة إنسانية فطرية، نسعى من خلالها لتحقيق منافع فردية أو جماعية، وفي رحلة التنقيب والحفر يتّخذ كل منا سبيلا يراه الأصوب، وفق ما تمليه عليه خلفياته وتجاربه، وعلى ضوء ما توجّهه إليه تحيّزاته المترسّبة بفعل تفاعلاته وتعاملاته في مختلف ظروف الحياة، كما نجد جانبا من العاطفة يكبر ويصغر نسبيا يتحكم في قرارات اتخاذ الأسوات واعتماد القدوات، فيسمى مزيج كل ما سبق بالاجتهادات.

وأمام هذه التحديات في بلوغ الأهداف وتحقيق المنفعة لما حولنا، وجب تحديد معايير مساهمة مساعدة، منها ما كان أسبابا وسننا كونية، ومنها ما يعتمد أساسا على الأبعاد الروحية والمتجاوزة للقوانين الدنيوية، كإخلاص النية، والتوكل على الله عز وجل، وابتغاء رضوانه من كل عملية نبتغي من ورائها إصلاحا وصلاحا.

ومن بين هذه المعايير التي تشعرنا بنوع من الطمأنينة في مسيرنا، وتزيد فينا تحفيزا في مسارنا، الإنصاف، ومعنى الإنصاف أن نعالج الظواهر بنزاهة وعدل، نثمن ما نجده فيها يستحق التثمين، وننقد ما يجب نقده، مستلهمين ما يزيد فينا فعلا وفائدة، تاركين ما دون ذلك، في إطار التسديد والمقاربة، وإن تأملنا حولنا وجدنا أن الإنصاف كان غائبا توعا ما في حكمنا على جهود قام بها غيرنا، مهما كان هذا الغير، وحين يغيب الإنصاف تتشكل مكانه غيمة تغطي الحقيقة ولا تظهر من التجربة إلا وجهها المظلم، ولا يخلو الظلام من أي تجربة إنسانية مهما كانت.

الاختبار الحقيقي لذواتنا ونحن نقوم بمهام لا نبتغي من ورائها إلا الأجر الوفير والثواب الجزيل، هو الإنصاف، ولو تطلّب الأمر اتهاما لتقصير جاء منّا، أو اعتذار عن زلة بدرت من فعل أو قول لنا، فالحق أحق أن يتّبع، والخطأ مهما كان مصدره يجب الاعتراف به، لا أن نحتكم إلى ذرائع واهية، ننفي بها كل وجه حق من فلان أو فلان، أو من تلك الجهة أو تلك لا لشيء سوى لكوننا سمعنا عنها كذا وكذا، أو قيل فيها ما قيل.

إن وجدنا في غياب الإنصاف أعذارا لطبقة عريضة من المجتمع يطلق عليها “العامّة” فلا حجة للمثقف الواعي الذي ألزم لنفسه مرتبة الباحث عن الحقيقة، فالدقّة الدقّة، والإنصات ثم الإنصاف، يصبغهما فعل خالص ابتغاء رضوان الله تبارك وتعالى، وجنة خلد عرضها عرض السماوات والأرض.

مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا