هي من يتغنّى بها كلّ من يبتغي الظفر، ويسعى لرضاها كلّ من يعتبر نفسه من بني البشر، هي من تعبَت حين طلبنا الراحة، وسهرت بينما تلذّذنا بعميق الأحلام، تألـّمت لأجلنا كلّما أصابنا ما يعكّر الصفو، فرحت لفرحنا، وحزنت لأدنى ما يشوب مزاجنا ويهدّد متعتنا، دمعها عسل في سبيل سعادتنا، وعرقها قطرات الندى تبذلها لتغرس فينا جميل الأخلاق وأسماها.

هي العظيمة بنفسها، القويّة بصبرها، الكبيرة بحكمتها، السخيّة بعطائها، لا يمكن أن نرقى لدرجة منها ولو بذلنا لها أعمارنا أضعافا مضاعفة، عادة ما لا ندرك قدرها، وإن فعلنا فالتقصير مرافق لسلوكنا، هي التي لا نغيب عن خاطرها لحظة واحدة، هي أمّي وأمّك… هي قطعة من الجنّة، هي باب من أبوابها وفرصة من فرصها، هي مفتاح السعادة وسرّها، هي الحياة السعيدة والفلاح.

ما بال البشر يتنكّرون لها لأوّل خطوة يخطونها، وحظوة ينالونها، يُعرضون عنها لشيء من زخرف الدنيا أصابهم؟، ألا يعلمون أنّ النظرة منهم إليها بغير رحمة ولا إحسان أو صفاء قلب تعادل ذنوب الدنيا، فما يكون حسابهم لكلمات أو حركات تبدو منهم عن غفلة أو عزّة نفس واهية مخادعة في لحظة جنون؟

نحن -ومهما حاولنا- نصبو لبرّ أمّهاتنا، ومهما بلغنا فلن نوفّي لهنّ قدرا، فالّلهم احفظ كلّ أمّ ربّت أبناءها وسعت في صلاحهم، وبارك فيها واغفر لها ما مضى وما هو آت، يا أرحم الراحمين… قم لأمّك وأحسن إليها واجبا وطاعة لا منّة أو تذمّر، اظفر منها ما استطعت إن هي في الحياة تنعم، وأرسل لها الدعوات الصالحة وجزيل الثواب إن هي في الدار الأخرى، اسأل الله أن يكتب لها الفردوس ويسكنها فسيح الجنان.