أعمارنا قصيرة، وقد استخلفنا الله في الأرض لنؤدّي رسالة العبادة خالصة، وممّا يتضمّن سبيل تلك الرسالة إصلاح نفوسنا وما حولها من أوضاع وأشخاص، وقد جاء ذلك بصيغ شتّى وأساليب متعدّدة، في القرآن الكريم وفي السيرة النبويّة الشريفة.

رسالة المؤمن في الحياة ثقيلة وجادّة، إن أدّاها بصدق وعلم كانت بساطه للجنّة، ومفتاح رقيّه في درجاتها، ومن هذا يستلزم الأمر قوّة ودراية في شؤون الدين والدنيا، أمّا الأوّل فبالبحث والتفقّه ممّن أوتي مقاليده من العلماء، وأمّا الثاني فبإتقان التخصّص، وتمرّس خبايا وزوايا ما يستجدّ ويطرأ في شؤون الحياة.

قال الله تبارك وتعالى: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة” (الأنفال 60)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف” رواه مسلم.

هكذا أمر المسلم أن يكون قويّا أمينا، حفيظا عليما، يدعو بحاله قبل مقاله، ويفرض احترامه على غيره قبل مهابته وخوفه، قوّته لا تكمن فقط في جسده وهذا مطلوب، وإنّما في ماله أيضا وعقله بتخصّصه في أيّ علم من العلوم أو أكثر والتحكّم في حيثياتها ودقائقها، يعيش عصره بثقة، ويسعى ليكون من صنّاع القرار سواء ما تعلّق بشخصه، أو بأمّته أو الإنسانيّة جميعا، ولا يأتي هذا إلّا باتّخاذ أسباب وقوانين الله وسننه الكونيّة، “فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا” (فاطر 43)

في تاريخ الأمّة ما يلمع في هذا السيّاق من أمجاد وفتوحات، فلنتّخذها قدوة ولا نستكين قانعين بالقليل تحت ذرائع واهية زائفة، فالمسلم قويّ بطبعه وفطرته إلّا إن اختار غير ذلك، وسيّدنا عمر رضي الله عنه قال: (نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله). صدقت سيّدي عمر… فهل نحن واعون؟