مواضيع الاعترافات عادة ما تشد الناظرين إليها، وكأنها تخبر بغير الحقيقة التي طالما نظهر ونُعرف بها، فالمعترف إنسان يحمل مشاعر أو يتصرف تصرفات خارجة عن إرادته، ويتحمل لفترة عبئها، ويصبر على ثقلها، إلى أن يقرر بإرادته أو رغما عنه الإفصاح عن ما يختلج فؤاده ويقلق راحته، وبها ينتظر ردة الفعل ويتقبلها كما جاءت…

هذا ما أنا عليه الآن أمامكم قراء المدونة ومتابعيها، وأيضا لمن جاء ضيفا هذه المرة وكانت هذه أول مقالة يقرأها، فسأعترف فيها بأمور عدة، إن صدمتم منها بشيء فأنا مستعد لنصحكم فيه وحتى عتبكم، وإن جاء الاعتراف باردا سلسا، فذلك سيزيد فيّ يقينا وثقة، وفي كلتا الحالتين سأبقى صامدا إن شاء الله، معتقدا بقدرتي على تحمل العواصف والهزات الشديدة منها والارتدادية، وما حبي لخوض التجارب إلا من باب المغامرة واختبار الأداء.

هي اعترافات على شكل خواطر، أسردها دون ترتيب، فتقبلوها كما جاءت…

  1. أعترف بأني من أول يوم خضت غمار التدوين ما كان ذلك لبريق أردته، ولا لشهرة، إنما لتبليغ رسالة سامية، وأفكار أعتقد صوابها غير ناف عنها صفتها البشرية وإمكانية زيغها ولو قليلا، وأشعر بثقل مسؤوليتي في تبليغ ما أعتبره دينا عليّ، إلا أنه أحيانا يعتريني إحساس بالميل لما كنت أتفاداه، فأستفيق من غفلتي، وأستغفر الله، وأمسك زمام الأمر مرة أخرى… وهكذا…
  2. أعترف كذلك بكوني قد فشلت مرارا في ترجمة ما في ذهني كتابة، وإن رأى البعض غير ذلك، فأشادوا بالأسلوب وثمنوا ما يقرؤون مشكورون، مع التأكيد على نسبة مما وجدته فعلا واقعا وكان السبب فكرة كتبتها ذات يوم ولله الحمد، لكني لست مقتنعا، وأريد المزيد وأطمح إليه، فلم أبلغ درجة من العلم لأنتقل للتعليم، إنما بدأت الإفادة مما منّ به الله عليّ، معتمدا سبيلا أسقط وأنهض فيها، إلى أن أتعلم المشي جيدا، ولا أجد مثلك يمنحني الإضافة ويبلغ بي مقاما معتبرا من الجودة والكفاءة مثلك كقارئ ناقد فطن موجّه مصوّب.
  3. أعترف أن مدونتي قد رسمت -دون قصد- صورة مغايرة نوعا ما لواقعي، وهذا ما جاءني من ملاحظات بعض الأصدقاء جزاهم الله خيرا، وعندما عدت مراجعا للمحتوى وجدت الصورة الشاملة للكاتب كإنسان متكامل جاد، وهذا مناف للحقيقة، ومجانبا للواقع، فأسعى جاهدا للتقريب بين شخصيتي الواقعية والتدوينية، وفي هذا أيضا أحتاج لنصحكم كثيرا.
  4. أعترف بترددي كثيرا في التخلي عن فكرة المدونة، في فترات سابقة، وذلك لما بلغت منها أهدافا سطرتها، ولم أجد دافعا للمزيد، لولا رفعي لسقف الطموح أكثر، واكتشاف ذاتي بأني أستطيع أن أقدم الأفضل، بل من واجبي ذلك، وأنا محاسب إن لم أفعل، فهممت بتجديد النية، وترتيب المخطط من جديد، والمضي قدما دون توقف إن شاء الله.
  5. أعترف كذلك مما أعترف أني لم أكن محايدا في الكتابة يوما، بل لدي ما أتحيّز إليه من أفكار أؤمن بها، لذا فلا مجال للمراوغة في هذا الموضوع بالذات، بل الصراحة هي الأحسن، وكم استغربت من أساتذة وأصدقاء كتّاب يدّعون الحيادية في كتاباتهم، ولكن بعد المضي في قراءة الفكرة الأولى والثانية منها أجدهم ينطلقون أساسا من رؤى متداولة معلومة أو مضمرة، بنوا عليها ظنونهم ويقينهم، ومع ذلك لا زالوا يصفون كتاباتهم بالحيادية.
  6. أعترف بتراجعي عن عدة أفكار وطروحات كنت قد تبنيتها هنا في المدونة، وذلك بفعل زيادة الاطلاع أكثر عنها في مصادر مختلفة، لذا وكإجراءات عملية، أنصح كل قارئ هنا أو في مدونة أخرى بعدم الاعتماد على المصدر الواحد، بل عليه أخذ المعلومة من مصادر متعددة، تفاديا للزلل، وقربا أكثر من الصواب، كما أنصح القارئ بالتحليل وعدم الاعتماد على الوجبات السريعة الجاهزة للهضم.
  7. أعترف بأني صدمت ببعض المفارقات في مشوار التدوين، من أسماء كنت أراها لامعة، ترقى لتكون قدوة في مجالاتها، إلا أن التعامل وضّح الصورة أكثر، ووقفت على تصرفات أبعد ما تكون لكتابات قد كتبوها، ومن هذا المنطلق صرت أكثر حذرا في منح الثقة.
  8. أعترف أني لم أكتب يوما لمجرد الكتابة، وأحاول ذلك جاهدا ما دمت أكتب، ومع ذلك فكم من مقالة نشرتها دون أقتنع بها بشكل كامل، إنما دائما كانت لي بعض الأجزاء منها خارج ما أريده أن تكون فعلا، ومنها ما نبهني إليها القراء، ولكن أغلبها مرّت دون نقد، ومحاولاتي مستمرة في سبيل القضاء على تلك الزوايا المظلمة من المقالات إن شاء الله.
  9. أعترف أن الشكل المطول للمقالات قد أبعد نسبة كبيرة من القراء عن متابعتها، وهذا بتصريحهم ومراسلاتهم، كما أن هناك عددا معتبرا ممن يتابع رغم ذلك، وبما أني أود الاستفادة منهم جميعا، قررت أخذ هذا الإشكال بعين الاعتبار في الشكل الجديد للمدونة الذي سأطلقه عن قريب إن شاء الله، وعدّدت من قنوات التدوين، بمبدأ التركيز على الفكرة والشكل معا.
  10. أعترف أني لم أكن أتصور مجال التدوين بهذا الشكل لما بدأت فيه، وقد كنت أعتبر المنافسة فيه قوية ولا مكان فيها لأنصاف الجهود، إلا أنه لا زال لحد الآن فارغا فراغا رهيبا، والتميز فيه أبسط مما نتصور، رغم الإقبال كمّا وعددا، فيما المضامين الجادة المفيدة لا زالت قليلة جدا، ومن هذا فإحداث الفارق يكون بإضفاء بعض الجهد على الكتابة، وكذا آليات النشر وشكل المدونة وطريقة التعامل مع المتفاعلين معها.
  11. أعترف بكوني لم أمنح الاهتمام اللازم للمدونة سواء زمنيا أو حتى من ناحية الجهد الكافي، مقارنة بالالتزامات الأخرى، وهذا عائد بالدرجة الأولى لتقصير في البرمجة الزمنية وترتيب الأولويات لدي رغم تمكّني فيها لحد ما، وثانيا لاهتمامي أكثر بجانب التكوين والبحث، وهذا ما سيزيد من الأداء تدريجيا إن شاء الله، لتكون الكتابات أعمق وأفيد.
  12. أعترف بكوني وطنيّ حد النخاع، لست ممن يستعمل قلة زاده من الكتابة في سبّه والتقليل من شأنه، أينما حلّ وارتحل، ولا ممن ينعم بخيرات الله فيه ويلعن الظروف، ويقسو على المخلصين من أبنائه، ولكن من جهه أخرى فمن تمام وطنيتي أن أنقد ما أراه تقصيرا، ولا أسوق النقد إلا من باب الفعل والمبادرة للأفضل، فلا الكلام مفيد، والكتابة مخلّصة من الذل والهوان الذي نعيش إلا إن كان وراءهما حركية فعلية ببصمات إصلاحية، وروح مخلصة.
  13. الاعتراف الأخير يتمثل في إعلان قلّة حيلتي وطلبي الاستفادة من خبراتكم لزيادة أداء المدونة من ناحية التفاعل والانتشار، فالأعداد المتداولة حاليا لدي لم تعد تقنعني كما السابق، وإن بدت للقراء شيئا كبيرا، لكن بلغة النت فمرتبة المئات تعد من الأجزاء البسيطة، والطموح يجب أن يتجاوز الآلاف إلى الملايين، فهل من سبيل إلى ذلك؟

هي مقالة متنوعة تمس جانب المدونة أساسا، أردتها مصارحة معكم، وتبسيطا للعلاقة بيني ككاتب فيها، وبينكم كقراء وشركاء في تنميتها واستمراريتها، فأفيدوني في كل نقطة مما سبق، أكن لكم شاكرا شكرا جزيلا، كما أعتبر المقالة تجديدا للعزم معكم للمزيد والمزيد من الجهد، فثقل الأمانة يجعلني أتمسك باحترامها وإيلائها القدر الكافي من الاهتمام والمعاهدة، وفي الأخير أسأل الله القبول والسداد، وهو نعم المولى ونعم النصير.