تتجه أنظار العرب والعالم هذه الأيام إلى عاصمة قطر الدوحة لاستضافتها الألعاب العربية الثانية عشر، وكمتتبع للرياضة حاولت تحليل بعض التفاصيل من زاوية إعلامية وأخرى فكرية خاصة فيما تعلق بالهوية العربية والإسلامية التي يظهر استثمارها في مثل هذه المناسبات.

حاولت من خلال المقالة أيضا التطرق لنصفي الكأس وتثمين ما يجب تثمينه مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية التي كانت للأسف واضحة وجلية لا يمكن إنكارها ولا تغطيها، ورغم احترامي لدولة قطر كدولة ولشعبها الطيب كشعب، ولطالما كتبت عنها ما يشرفها ولا أزال، إلا أني من باب الإنصاف الذي عاهدت به نفسي منذ أول يوم فتحت فيه هذه المدونة وقررت اقتحام غمار الكتابة ناصحا محللا ما أريد من ذلك إلا الإصلاح ما استطعت، فسأكون قاسيا بعض الشيء مع ما ساءني وخيبني سواء في وطني أو خارجه، مع أني أؤمن بأن كل أرض الله وطن.

شاهدت حفل الافتتاح فكان تحفة في الإخراج التلفزيوني يدل على قوة في التخطيط واستثمار مركز لجانب الإبداع، هذا من ناحية الشكل والمظهر لا يجادلني فيه أحد، أما عن التنظيم فهو كذلك مما عهدنا عليه قطر إذ كان قمة القمم، نخجل من أنفسنا لعدم امتلاكنا تلك الجودة والروح في فعالياتنا ولو جزءا ضئيلا رغم الإمكانات المادية الضخمة التي تفوق ما عندهم، فالحديث في الموضوع يتكرر كل حين بكوننا لا نعاني بشريا ومهاريا بقدر ما نفتقد لمعنى الاستثمار في الإنسان!

لا شك أن في المنظمين جزائريون كما فيهم جنسيات مختلفة من أنحاء العالم، فالعيب ليس في الاستعانة بالأجانب إن كانوا على مستوى الأداء والمسؤولية، وكنظرة متفتحة لا نبقى ندور في هذه الحلقة المفرغة والشعارات التي أثبتت سوء تقدير حامليها بكون الفرصة في العمل لا تمنح للأجانب بل علينا الاعتماد على المواطنين وإلا فكيف سنتطور ونتفاعل مع العصر إن كنا لم نقدر حتى على تحريك عجلة؟ وما كنت لتقرأ حروفي هذه إن اعتمدت على هذه الذهنية، فالكمبيوتر ليس من صنعي ولا الشاشة التي شاهدت بها ما حدث في قطر من مهارتي ولا مهارتك!

 فظاهريا كان الشعور إيجابيا، والرضا يلمس عنان السماء، إلا أنني وقفت على تناقضات وإشكالات جعلتني أعيد النظر في بعض المفاهيم، وأتدارك الخلل في تصورات سبق واعتبرتها ملاذا آمنا وأفكارا تستحق الإشادة والإعجاب، خاصة لما كان افتتاح الألعاب بالنشيد المنتشر في أوساط الفن الهادف، “بلاد العرب أوطاني” بأداء الفنان فهد الكبيسي، فما عهدنا في هذه التظاهرات أن تفتتح بهذا النوع من الجمال وحسن الاختيار، فكانت انطلاقة تعد بالجميل والرفيع، لكنها كما يقال فرحة لم تدم طويلا.

خيبة الأمل كانت انطلاقا من السم الذي دس في الترحيب بالوفود المشاركة، فأكبر نصر لإسرائيل ومن والاها من دول غربية وشرقية كان حين إعلان دخول وفد فلسطين فظهرت تلك الشارة المحترفة أداء وإخراجا لتبرز فلسطينا غير التي عهدنا، والتي علمت فيما بعد أنها لم تكن من صنع الصهاينة أنفسهم وإنما قطر التزمت بمضمون المبادرة العربية المخيبة التي قدمتها الدول العربية بجامعتها العرجاء (القضية للبحث والتدقيق) بتجزيء فلسطين وتقزيمها ورسم خريطتها كما يرسمها الطالب الصهيوني حاليا مؤقتا فيما يمني نفسه بمخططات أوسع، في حين كانت الشعوب العربية متلهفة وراء نجوم الكلاسيكو ولهيب كرة القدم هنا وهناك، فجهلت حيثيات المشروع وجاءت لتتفاجأ الآن بعدما أعلنت قطر عن ذلك المشروع الخبيث في دورة الألعاب العربية الحالية والعاقبة لكتب الجغرافية التربوية ولدول أخرى لاحقا.

أما الخيبة الأخرى التي لا تبعد كثيرا عن هذا الموضوع هي عندما كنت أتصفح دليل الإعلاميين المتاح في موقع الدورة للتحميل فأعجبت كذلك أيما إعجاب بمحتواه ودقة التنظيم وروعة الإخراج الفني وهو ما جعلني أتصفح الموقع أساسا وأهتم بالدورة، فعلا من هذه الزاوية مما يثلج الصدر ويفتح الشهية لاستهلاك الأفكار ومضغها بصورة خفيفة ثم بلعها بسلاسة ويسر، في إجراءات الحصول على التأشيرة تجد تلك الأكاذيب حول الأخوة العربية والنخوة والقومية والكلام الفارغ… ضيوف قطر مصنفون حسب اعتبارات غريبة تجعلنا أمام تمييز واضح لاذنب في أسبابه لذلك الإعلامي أو الزائر، والأغرب حينما أجد تلك المعاملة المهينة لفئة تسمى “اللاجئين” فلم يكفهم الهم الذي ورطوا فيه نجدهم يلاقون تلك المعاملة من دول تكون من المفروض ملاذهم وأمنهم.

وفي مشهد غريب يجعلني أتثاءب وأحاول إيجاد التفسير الواضح أن أرى ثلاثة ذكور انسلخوا من صفات الرجولة وتقمصوا دور الأنغام التي كانت أشرف منهم وكانوا أضل منها علما أنهم كانوا الأفضل بين أقرانهم فقد اعتلوا منصة ليتوجوا بالميداليات وهم عراة إلا من قطعة قماش ربما ستنزع يوما ما إن أذن بذلك أسيادهم في الجهة الغربية للعالم!، الرياضة وصفت بكمال الأجسام ولم أر أجساما لأرى الكمال، ثم هل هي فعلا رياضة؟

دون الخوض أكثر في المشاركين العراة من الذكور والإناث في رياضات أخرى عريا تعافه العقول والأنفس قبل الشرائع والأديان، فأي ألعاب هذه؟ وأي قوانين تلك؟ فقط لكون منظمة غربية تلزم ذلك قلنا سمعا وطاعة؟ لماذا إذن نتبجح بديننا ونحاول إظهاره في تلك الألعاب ونحن لا نقيم له أدنى احترام ولا التزام؟ أم هناك شيوخ يجيزون ذلك ويرخصون لدخول جحور الضب التي يدخلها أسيادنا من البشر؟

الملحظ الضروري الذي أؤكد عليه آخر المقال، هو أني لا أنكر على إتقان الإخراج فنيا وتقنيا، ولا أفضل جانبا على الآخر، فالاحترافية في التنظيم مطلوبة وفق المقاييس التي نصنعها ونضعها بالموازاة والخضوع لهويتنا وفكرنا لا أن نأتي بها معلبة مغلفة مع التقنية والآليات، فكما أمكن قطر أن تبدع فنيا وتنظيميا فما الذي يمنعها من الإبداع فكريا؟ لا نشك في النوايا ولكنها أخطاء في التصورات وسذاجة في التعاطي مع الأمور أحيانا مع استغلال جهات أخرى لهذه المسامات والثغرات لبث سمومها على طبق من ذهب لامع يستهوي إليه كل باحث عن المظاهر غافل عن اللب والجوهر.

ما الذي يمنع من تنظيم دورة ألعاب عربية بروح إسلامية خالية مما يشوبها؟ فلا يمنع الإسلام الرياضة كما يشاع هنا وهناك، وإنما المحذور في الكيف، أخوفا من عضويات تمص الأموال في منظمات عالمية وضع أسسها الغرب بعيدا عن فكرنا ومنهجنا؟ فتبا لتلك العضويات، وكأنني أمام مثال الفنادق التي تقدم المحرمات خوفا أو تلبية لنداء الواجب كي تمنح بضع نجمات تعلق في المداخل والمخارج، لا أدري لماذا نولي منظمات التقييس كل تلك الهالة وذلك الاهتمام؟ فمتى نصنع مقاييسنا؟ ونتصرف بفكرنا ونقنع غيرنا به؟