الإعلاميون في قضية تونس ثم مصر وبعدهما لا أدري، يأخذون أشكالا متباينة بين رافض ومؤيد، ومتوقّف متردّد، طبعا لكل منهم منطلقاته وأسسه، لكن ما يعاب على البعض انتهاجه لسياسة ركوب الأمواج، وتتبع موازين القوى وتبني الإنجازات وسرقة البطولات.
الإعلام عادة ما يمارَس بدافع داخلي شخصي، فنادرا ما نجد إعلاميا صرّح بكون والده أرغمه ليكون كذلك وهو لم يشأ مثل ما يقع في مجالات أخرى، بل الأكثر من ذلك فلو تسأل إعلاميا عن سبب امتهانه لتلك المخاطرة وما أطلق عليها بمهنة البحث عن المتاعب، لقال لك إنه هو آمن بالمهمة، رغم اعتراض أسرته ربما في أول طريقه الصعب.
وما يجعل الإنسان يختار لنفسه الطريق الأصعب عادة ليس المال كون المال يمكن جنيه بطرق أخرى أقل جهدا، فنعلم أن المعلّم والأستاذ رغم صعوبة مهمتهما إلا أن مواردهما قليلة عددا، كثيرة بركة وأثرا، وما اختيارهما لوظيفتهما إلا بدافع شخصي إيمانا بشرف ونبل ما يقومان به، نفس الأمر بالنسبة للإعلامي فرسالته في الأصل نبيلة ومسعاه مشروع ومطلوب، وطريقه وعرة محفوفة بالمخاطر والأزمات.
لكن ما نراه في واقعنا المعاش، ليس بالضرورة مثل ما يجب أن يكون، فدخلاء الإعلام كثيرون، إما لدوافع الشهرة والنفوذ، أو بدعم جهات أخرى تريد تحقيق مكاسب ضيقة وأهداف خبيثة سيئة وتمرر أجندات ومشاريع معينة عن طريق الإعلام بعدما آمنَت بخطورته ومدى تأثيره، حقيقة الأمر هكذا، حيث صعُب التفريق بين الإعلامي الشريف وبين المزيف الدخيل على المجال أصلا، وهذا أمر شائع عالميا.
عودة لموضوع مصر، فبعدما لم أشأ النبش في الجروح، ولم أرد العودة لفتنة كانت سدّا بين شعبين كريمين شريفين، سببها شلّة من ناقصي الوعي والضمير، قادوا حربا إعلامية مزيفة علينا منذ أكثر من عام، وحينها قلت في نفسي: كيف لمن لم يفعل الخير في نفسه أن يفعله للناس؟ وفعلا هذا ما حدث هذه الأيام بالضبط، فتساقطت أقنعة أبواق الفتنة ابتداء من 25 يناير 2011م، بفعل شباب مصر الواعد المخلص لوطنه تمام الإخلاص، المحب لمصر حقيقة الحب، حيث ذاب الجليد وعادت العلاقة أقوى من أي وقت مضى، الشباب العربي متلاحم ككل، دون أي حاجز أو فاصل، تجمعهم قضية واحدة لا مجال فيها للفُرقة والتشتت.
هذه الأبواق ما شككنا للحظة أنها مدفوعة من النظام الفاسد المتآكل حاليا، وهذا ما فسّره صمت النظام عندنا، حيث قيلت الجملة المشهورة: “نحن حينما نفعل لا نتكلم” وفعلا كانت قصة الغاز وما تلاها من ويلات لم نردها حتى لأنفسنا فذهب الطيب في زمرة الخبيث، ونال كل منهما نفس الجزاء للأسف، فحرمنا من الكتاب المصري، بسبب صغار لم يعرفوا شيئا من أصول لعبة السياسة، وكانوا فقط أضحوكة أهلهم قبل أن يضحك عليهم غيرهم، فخربوا ما بني في قرون دون أن يعترفوا بذلك على الأقل.
في بادئ الأمر كان شباب الفيسبوك ينادون لمظاهرات في مصر، على نفس النهج بالنسبة لتونس، فأخذ هؤلاء الدخلاء على الإعلام كلامهم بثوب اللاحدث، لكن عندما بدأت فعلا سخروا منهم ونصحوهم بالعودة إلى منازلهم، وهم غير مقدرين لجدّية المطالب وصدق النوايا، ولم يستطيعوا أن يخرجوا بموقف آخر مع تسارع الأحداث منتظرين الأوامر الفوقية، لكن بعد استفحال الأمر وزعزعة الفرعون الأكبر، تشتت شمل هؤلاء المراهقين إعلاميا، ونظروا من حولهم فلم يجدوا من ينصرهم، وكيف يحتَمون بمن يملك أرصدة مالية ضخمة في الخارج، ويملك جواز السفر الذي يمكن أن ينقله لأي جهة في العالم.
حينها ضعف الطالب والمطلوب، فبدون ذكر أية أسماء حقا إنهم يدفعون ثمن هرائهم، ويزيدون الطين بلة بكل تصريح يطلقونه وكل طلّة يطلّون بها في قنواتهم الخاصة شكلا الحكومية مضمونًا، يسقطون عن كل حرف نطقوه، وينهارون عن كل رأي اقترحوه، فالإعلامي حينما يتجرّد من ثوب الاحترافية والشفافية وقوة الشخصية يصبح أضحوكة ولعبة في يد أصحاب النفوذ والمال، وهذا ينفذ ويزول بعامل الزمن.
في عام مضى كانوا يسبّحون بحمد “مواطن” مثلهم وكأنه ملَك من السماء، حتى أن أحدهم بكى على المباشر لمجرد اتصاله به في حصته المشؤومة، هرب الآن وتركهم، وأفسدت الجزائر مخططه للتوريث، وفي انتظار هروب بقية العرش المتهالك، الأيام وحدها ستكشف مصير هؤلاء المفتنين، وبحسب طيبة شعب مصر وحلمهم وكرمهم، فأعتقد أنهم سيدعونهم وشأنهم، لأن هناك من ظلمهم أكثر وصفحوا عنه، ففي الأخير هم ابناء البلد وعلى إخوانهم أن يستروهم.
الحمد لله الذي أرانا في أنصاف الإعلاميين ما نراه من إفلاس وقصور في أدائهم، لم يظهروا إلا راكبين أمواج القوي، “فالدنيا مع الواقف ولو كان…” كما نقول، لكن القوي الذي أوقفهم معه دون حول منهم ولا قوة صار -أو كاد أن يكون- أضعف منهم، ورغم إعلان دعم الشباب من شخصيات مصرية، سياسية، دينية، علمية، مرموقة إلا أنهم لم يستفيقوا من نومهم بعد، ولا أدري متى يفعلون، لا أقول لهم كونوا مناصرين لإخوانكم الرجال في ميدان التحرير، لكن اخرسوا فقط، ففي سكوتكم وصمتكم صلاح للرعية كلها.
Comments (3)
كلام جميل ورائع وتشبيهات بليغة لراكبي اﻷمواج وأنصاف اﻹعلاميين الذين هم في كل يوم على حال يناقض اليوم السابق.
من المؤسف ان تكون اعلامي و تنتقد الحرية الى الوصول الى الخبر لا اريد ان اهدر كثيرا من الوقت معك لأني تيقنت انك خوبزيست و انك مصاب بأغراض ستوكهولم .مجد اسيادك و دافع عنهم فلكل فرعون هامان
بوركت اخي ..