كان قرارا سريعا اتخذته قبل حوالي ثلاث سنوات من اليوم كأي قرار جانبي ضمن عشرات المواقف في حياتي اليومية، وهذا تصرف طبيعي يفعله أي إنسان يعيش ويتفاعل ويتعامل مع غيره، لكني لم أكن أعتقد أن ذلك القرار سيعود عليّ وبالا وثقلا قارب الأرق والصداع لولا لطف الله.

هكذا نجد أنفسنا كل مرة أمام خياراتنا نواجه عواقبها وانعكاساتها لوحدنا، رغم اعتقادنا غالبا أن كل معاملة وموقف ماهما سوى أحداث عابرة سيطويها الزمن كملف أغلقناه وقمنا بإرساله للتاريخ الفسيح.

التصرف الصحيح ينعكس إيجابا على المستقبل ويبني صروحا متراكمة من الثناء والاعتزاز، أما القرار الخاطئ فهو يلقي بظلاله أيضا كتركة ثقيلة وتبعات مملة تبقى تلاحقنا دائما كهاجس يطرد الراحة ويتربص بنا كلما نوينا أن نتجاوز ونرتاح نفسيا وذهنيا.

إلا أن تلك المرافقة والمصاحبة لمشاكلنا وعقباتنا جراء خياراتنا فيها هي التي تؤسس لرصيد معتبر من الخبرة سينقدح كلما غفلنا وهممنا بتكرار نفس الخلل مرة أخرى، وكذا هو ملاذنا في إنارة درب غيرنا ممن يطلب النصيحة ويبحث عن المخرج من مآزقه وعثراته.

التفكير بعاطفة مطلقة، والسعي لفعل الخير دون دراسة ولا دراية بالظروف والمآلات، والتسرع في إبداء النية للمساعدة والتعاون كلها قد تؤدي لصاحبها لدفع ضرائب هو في غنى عنها لو أخذ وقتا أكثر في بادئ الأمر، لأن ما بدأ بحسن النية من طرف واحد فقط ينتهي به الحال كتجربة أليمة تولد انكسارا وخيبة، وما انطلق بالحماسة دون تخطيط محكم سينقضي معلقا في حبل المشنقة متهما بالفشل.

هي الحياة تلزمنا أن نأخذ دروسا خصوصية منها تحديدا كتجارب ومواقف فضلا عن الاستشارة والمطالعة والتأمل والتحليلات المتوجة بالمنطق، فهي في عمقها وصرامتها ليست علما دقيقا مطلقا ولكنها بصفعاتها ولكماتها وحتى ركلاتها أحيانا تبلّغ رسالاتها وتؤدي أدوارها بكل ثقة وأناة.

ومن زاوية مقابلة فالحياة ليست عبثا وحظا، ولكن الله سخر فيها قوانينا وأسبابا لنتعلم منها ما اتضح لنا، أما ما أشكل علينا فسنتألم قبل أن ندرك الحكمة ونفهم المعنى، محسنين غير ظالمين، مقبلين غير مدبرين ولا منكسرين، نخوض غمارها مسددين ومقاربين، متوكّلين مخلصين.

نحن نعيش ونتعلم ونخطئ ونستفيد وهذا طبيعي، بشرط ألا نكرر نفس الخطأ أكثر من مرة واحدة فقط.