يتساءل طالب العلم عن فرصه في الاستثمار، وعلاقته بالمال، ويجد في طريقه للجواب آراء متضاربة وأخرى متوازية، بين من ينصحه بالابتعاد ومن يوصيه بالتقرّب والاكتشاف، ومع حاجته كأي إنسان لتحقيق أهداف لن تتحقق إلا بالمال يطرح أسئلته بجدية أكبر.
يوصي الآباء أبناءهم غالبا بالاهتمام بدراستهم والتركيز عليها دون سواها، يفعلون ذلك بنية حسنة لا شك فيها، خاصة حينما يبدأ الابن بالبحث والاستفسار عن خبايا المال وأسراره، والقيام ببعض المحاولات خلال الإجازات المدرسية وأوقات الفراغ.
هذا الحرص من الآباء وإن كان الدافع إليه مشروعا، إلا أن انعكاساته على مستقبل الأبناء سلبية تظهر جليا بعدما يتخرجون فيكتشفون فجوة عميقة بين مدخلاتهم النظرية وما يتطلبه الواقع من فهم ووعي، حينها سيعيشون غربة قاتمة تكلفهم ومن معهم غاليا.
أفضل استثمار يقوم به طالب العلم هو الاهتمام بمهاراته وتنميتها واختبارها مادامت العواقب خفيفة، وكذا خوض التجارب المتعددة، واكتساب العلاقات النوعية وصيانتها وتعهّدها بالرعاية، فالمرحلة حينها مرحلة بذر لجني الثمار في المستقبل.
ليس الاستثمار أرقاما وأموالا فقط، إنما هو منهج حياة يبدأه الإنسان بنفسه ومحيطه ومختلف علاقاته، فإن أحسن التصرف في مرحلة التعلم صار نموذجا فعالا بعد التخرج، يواصل طريقا بدأها بأخطاء صغيرة ليتفادى بها الأخطاء الكبيرة.