«جلّ من لا يخطئ»، نردّدها ونسمعها مرارا، نعتقد معناها ولا نشكّ في صحّتها، والزلل صفة بشريّة مرهونة بالعمل، ومقرونة بالتجربة، هو باب كلّ الناس داخلوه، وكأس كلّ المجدّين المثابرين شاربون منه، لكن ماذا بعد الخطإ؟
الفاشلون قسمان، أوّلهما من يخشى الوقوع في الخطإ، فيلتمس لنفسه أعذارا تثنيه عن خوض غمار التجربة، خوفه إمّا من أيّ ضرر يمسّ سمعته أو حتّى بدنه، خوفه من مستقبل مجهول -في نظره- بعد الإقدام على ما عليه القيام به.
أمّا ثانيهما فهو نوع آخر تماما، هو ممّن يعمل ويخطئ كغيره من البشر، إلّا أنّه يرتكب جرما أكبر هو التشبّث بالموقف والاعتداد بالرأي بعدما يتبيّن له قصر نظره ومجانبته للصواب فيه، لم يتفطّن لعظمة الشعور بالذنب والاعتذار منه إمّا تكبّرا أو خوفا من ألسنة الناس، وفي هذا خلل كبير ذاتيّ بالدرجة الأولى.
الاعتذار ثقافة راقيّة، وخلق رفيع، لا يتقنه إلّا من أوتي حكمة، وفهم معناه جيّدا، هو قوّة في الشخصية إذ يعتبره آخرون ضعف، وهو تنقية لما يشوب النفس من عادات وأخلاق سيّئة، كالتكبّر والغرور والظلم وحتّى أدنى درجات الحسد والحقد.
الاعتراف بالخطإ بعد اكتشافه، والاعتذار منه بمثابة الدَّين يعيده المدان لصاحبه، فإن هو لم يفهم سرّه صارا آكلا لحقوق غيره، حاملا لذنوبه، ينتزع مروءته، ويُذهب المهابة والاحترام من شخصه، كما يريق بيديه ماء وجهه، مورثا لذاته ذلّا يرافقه كالظلّ أينما حلّ وارتحل.
حياتنا صور وقصص لمن اعتذر كيف ارتقى بعد ذلك، ومن اعتدّ برأيه عارفا خطأه إلى أين صار مآله، ولنا أن نعتبر ونستحضر الأمثلة حولنا فهي كثيرة.