في مراحل المدرسة الأولى وعندما كانت أظافرنا ناعمة، وقد حُمّلنا أفكارا فاقت عندنا درجة العقيدة كأطفال تغمرنا البراءة وتعلو محيانا سمات النقاء… ولكن بعد فوات الوقت وانكشاف بعض الأمور صرنا نعترف بكم الوهم الذي كنا نحمله بكل فخر واعتزاز!

من بين تلك الأفكار تعاطفنا وتقديرنا لمعلمة بشعة بشاعة مظهرها وأخلاقها، وارتكابنا لحماقات العصيان والتمرد مع معلمة حسناء لطيفة لسبب واحد هو أن الأولى محجبة والثانية اختارت لشعرها أن يكون ظاهرا…

اعتقدنا أن الحجاب جبّ لما حوله من سوء الخلق والظلم والجهل، وأن السفور عنوان للانحلال، ومنحدر للأخلاق… فرغم خمول معلمتنا المحجبة وكثرة غياباتها الحقيقية والافتراضية (حاضرة غائبة) وسوء معاملتها وعنصريتها المقيتة ضد الفقراء وضعاف التحصيل، ومغامراتها العاطفية مع أستاذ آخر ترسل إليه ويراسلها بمراسيل الحب عن طريق تلاميذها عوض أن تدرسهم…إلا أن سحر الحجاب عندها واللحية لديه كانا أقوى فاعتبرنا الأمر طبيعيا!

في المقابل كان هناك صوت يدعو لطرد المعلمة السافرة وإغراقها في المتاعب رغم تفوقها المعرفي وحزمها واحترافيتها ورغبتها الشديدة في تفوقنا وتمكننا من مادتها، كانت تدعونا لبيتها إن أشكل علينا أمر يخص مادتها، وتطلب منا أن نعتبرها كأم لا كمعلمة فقط فهي تحنّ لدرجة تقززنا وتجعلنا نسخر من أي طفل قبّلته أو احتضنته لإنجاز قام به دون تمييز… إلا أننا قابلنا كل ذلك بفكرة المؤامرة وأنها تريد بنا أن نكون “عاهرة” مثلها!

كبرنا ولم يساورنا الشك في صحة الحجاب ومشروعيته من عدمها، ولم نسقط في فخ التعميم والأحكام الجائرة كما سقطنا فيها في الصغر… ولكن لا يمكننا إنكار بقايا الظلم والطغيان وسوء التقدير وحمل الناس بمظاهرهم من باب علينا بالظواهر والله يتولى السرائر!

كلما كبرنا وعايشنا وعاشرنا اكتشفنا جهلنا وغباءنا… ولكن ما السبيل لطلب الصفح ممن أسأنا التصرف معهم وقد فارقونا؟

القصة حقيقية بالنسبة لي… ماذا عنك؟