التفكير في توسيع المشاريع فطرة بشرية، وملكة يمتاز بها كل إنسان طموح يدير مشروعا ويرمي لبلوغ أهداف معينة، لذا نجد ذلك التدافع وتلك الرغبة في امتلاك المزيد من الوسائل المادية والكفاءات البشرية النوعية مجال منافسة قوية في مجال الأعمال.
تتبادر للذهن أسئلة كثيرة، وتؤرق كل مدير مشروع مسألة التوسّع بأولوياتها وطرقها وخطة تنفيذها، فليست القضية متعلقة بالحافز والدافع غالبا، إنما بالطريقة والمنهجية، لنجد أن السؤال الأكبر هو: هل حان الوقت؟ كيف؟
كل توسعّ يتم بداية بناء على مؤشرات في واقع المشروع إما استنساخا لتجارب ناجحة وتوسيعا لأثرها استهدافا للمزيد من النتائج، وإما هروبا لفرص جديدة تفاديا لانطفاء جذوة فرص متوفرة من قبل، إنما الخلل في استنساخ الفشل وتوسيع دائرة المعاناة معه، فكيف يتم هذا وذاك؟
استنساخ النجاح يتطلب جهدا معتبرا في تسطير الخطط، وتسجيل الطرق والمناهج، وتقييم الأداء ومتابعة مؤشراته بدقة، فلا يمكن أن نطلق حكم النجاح على تجربة ما بمجرد لمسنا عاطفيا لبوادر قد تكون حقيقية وقد تكون زائفة خادعة.
إذن، فقبل القرار في التوسّع يجب علينا أن نعمل على رصد مقومات النجاح لتكرارها كأسباب تؤدي لنتائج منتظرة باحتمال غالب، وإلا فسنكون رهن الحظ والمغامرة دون اعتبار للعواقب وقياس للأخطار، والتراجع حينها ليس سهلا، بل ليس متاحا أصلا.
قد يكون الدافع لاتخاد قرار التوسّع هو تقليد منافس معين، وهذا خلل كبير في شخصية قائد المشروع وضعف فيه، وقد يكون الحافز أيضا حظوة ينالها المدير فيمن حوله واهتماما بسمعته ومظهره كمدير ناجح ولو على حساب جوهره المتآكل، وهذا أيضا من الأخطاء القاتلة.
بينما الأصل أن تكون لكل شركة شخصيتها التي تميزها، ولكل مشروع مبادئه وثقافته الخاصة به، وهذه الشخصية والثقافة تبدو جليا في سياساتها وتعاملاتها سواء مع الموارد البشرية التي تمتلكها، أو علاقاتها بزبائنها ومنافسيها، وكذا اعتمادها لأنظمتها الداخلية وآليات التسيير لديها، فتترجم تلك الثقافة في توسعاتها أيضا وفق مخططاتها لا ما تمليها عليها الظروف الآنية كردات فعل غير مدروسة.
نظريا يسهل الحديث في هذا الموضوع إلا أنه في الواقع هناك مقاومة شديدة لمجاراة نداءات الحدس المتكررة مقابل الخطط ولغة الأرقام، فمن الصعب التحكم في ثلاثية توفر الموارد وإغراء مجالات الاستثمار وسرعة مرور الوقت، فكل منطقة تجذب إليها المستثمرين تمثل عنصر جذب لقائد المشروع، وكل مجال استثمار أحسن صاحبه تسويقه يعتبر أيضا قطبا جاذبا لرؤوس الأموال والطاقات البشرية.
أيما مشروع لم يمتلك شخصا أو فريقا ومكانا وزمنا للتفكير في مستقبله ودراسة فرص توسعه فإن انهياره وفشله مسألة وقت فقط، وهذه حقيقة مؤلمة لكنها واقع حال، وعالم الأعمال المحكم ليس مجالا للصدف والقرارات العبثية، وإنما هو علم وحكمة وفراسة وذكاء.
نصيحتي لكل قائد مشروع أن يجد لنفسه من حين لآخر أوقاتا يبتعد فيها عن التفاصيل اليومية لمشروعه لتكون له رؤية أشمل وأوسع يرسم من خلالها مستقبل المشروع بما يتضح له من آفاق واعدة قد لا يراها إلا وهو صافي الذهن مرتاح البال.
Comment (1)
قوة في التحليل بوركت أستاذ جابر