ما عشته اليوم في مسيرة الجزائر العاصمة والجمعة الماضية في وهران، قد لا ترقى الكلمات لوصفه ولا الحديث عنه.. أجدني محظوظا لدرجة كبيرة بما رأته عيني وعشته من صور نادرة في التاريخ..
أجواء ممتعة متنامية الحماس ابتداء من أزقة باب الواد إلى ساحة الشهداء ثم مرورا بساحة السكوار إلى شارع ديدوش مراد إلى ساحة البريد المركزي إلى نفق أودان ثم نحو شارع حسيبة بن بوعلي ثم العودة.. المسافة طويلة جدا سيرا على الأقدام إلا أن هيبة الحدث أنستنا كل التعب..
الشعارات المكتوبة في اللافتات متنوعة بين الغرابة والجرأة والحقيقة المرة، بينما تشترك جميعها في النكتة الظريفة.. مع هتافات مدوية تضفي للمسيرة صدى احتفاليا خاصا..
لم تخل المسيرة من لحظات شاعرية تفصح عن جوهر سلوك المواطن الجزائري الأصيل، كالشباب الذين يحملون أكياسا يجمعون فيها ما سقط على الأرض من النفايات.. أو الذين ينظمون حركة المرور.. وكذا الاحترام الواضح لكبار السن والعائلات، سواء ممن رافقنا في المسيرة أو الذين كانوا يطلّون من شرفاتهم ملوحين مؤيدين..
أما رجال الأمن فقد كان الارتياح باد على وجوههم، مع اندماج بعضهم في أحاديث وحوارات مع الشعب بكل عفوية واحتفاء.. وهذا ما يعطي انطباعا حقيقيا بدورهم في تأمين المسيرات لا في منعها أو التصدي لها..
الأجواء كانت احتفالية انسيابية لحد بعيد.. الشعب كان حقا فرحا رغم معاناته.. مستبشرا رغم التخويف والتذكير كل مرة بالتجارب السابقة للمظاهرات هنا أو خارج الوطن.. الكل تحت راية الوطن دون أحزاب ولا تصنيفات ولا انتماءات جانبية..
أما آن لمن فاته قطار الزمن.. وخانته وسائله.. وتجاوزته آلياته.. أن يعترف ويخجل وينصف ويصطف خلف الشباب.. مانحا إياه ثقته.. مستأمنا إياه وطنه؟
من حق أي مواطن أن يتساءل عن من يسير وطنه قبل أن يُساءَل عن من يسيّر حراكه ومسيراته..