نشاهد في مجالات الحياة الاقتصادية والتجارية ما يسمى بالمنافسة، فانفتاح السوق أدى لتكاثر الشركات وتوفر الخيارات، فماذا يميّز الواحدة عن الأخرى؟ أهي الأسعار؟ أم الجودة؟ أو الوفرة؟ أم غيرها من العوامل؟ لكل مجال خصوصيات وما يمتاز به، فكيف الحال مع التصميم الفني؟ كل مصمم في بداياته مع العمل، تتبادر إليه مجموعة أسئلة، من بينها كيفية استقطاب عملاء أو زبائن، ولو نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: كيف نستهوي إلينا عملاء من نوع خاص حسب ما نريد ووفق ما نطمح؟ أهو السعر أو الجودة؟
لسنا في هذا المقال بصدد الإجابة بالجزم عن أحد الخيارين، ولكن لتوضيح الفكرة جيدا وفي الأخير يبقى رأيا متواضعا ربما يخالفني فيه البعض، فمثل هذه الأمور تعتبر مدارس وقناعات من منطلقات ومراجع متنوعة.
لو نأتي لواقع الأمر سنرى أنه – على الأقل في محيطي – الكثير من الإخوة المصممين لدى افتتاحهم لمشاريعهم الشخصية ومؤسساتهم الفتية في مجال التصميم الفني والطباعة يلجؤون لطريقة يظنون من خلالها أنها الأفضل لكسب المزيد من الأرباح والسمعة في السوق، يلجؤون لتخفيض الأسعار إلى أدنى المستويات، ويحاولون إغراء العميل في أول زيارة له عندهم بقولهم: لدينا أفضل الأسعار، وإن شئت فتأكّد، أو يسألونه عن ما وجد من الأسعار في السوق، فيعرضون عليه ثمنا أقل، وربما نصف المبلغ، شعارهم، المهم اعمل معنا وفقط.
فتتهاطل عليهم العروض ويفرحون بالمقدمة الجميلة والأصداء الجيدة مؤقتا، لماذا نقول مؤقتا؟ لأن العميل إن كان قد عمل لديهم هذه المرة لأجل السعر فقط، فهو بدوره يبحث دائما عن الأقل أيضا وفي مكان ما، ومن ثمّ فمن البداهة أن يغيرهم لمؤسسة أخرى أغرته بالسعر الأقل أيضا.
والسبب الثاني هو نوعية هؤلاء العملاء، فأغلبهم من الذين يبحثون عن الخدمة بأقل سعر وكفى ولا تهمهم الجودة، وبهذا تجدهم من الذين لا يفقهون في مقاييس العمل شيئا وأغلبهم تنتهي المعاملة معهم بالمشاكل وعدم التفاهم.
أما المؤسسات التي أخذت على عاتقهما مفهوم الجودة والإتقان كمبادئ عليا، فهي لا تفكّر كثيرا في الأسعار ولكن تقدّم لكل خدمة قيمتها الحقيقية، طبعا ولا يكون ذلك بعيدا عن السوق كي لا تبقى تغرّد بعيدا عن السرب، ولكن في لقاءاتها بالعملاء تركّز على الجودة أولا، وحسن تقديم الخدمة وإيصالها، ثم في الأخير يأتي الحديث عن السعر، وهناك سوف يتقبل العميل الأمر بصدر رحب، لأنه يتعامل مع مؤسسة محترمة تعرف قدر نفسها جيدا، حيث تطبّق ما تقول، وتنفذ ما تعد به من الجودة والإتقان.
مثل هذه المؤسسات عملاؤها من نوع خاص، ووفق ما ترديهم هي، فلا يغيّرها لمؤسسة أخرى إلا لسبب قلة جودتها، أو استقبالها أو معاملتها، وهنا على المؤسسة التي تقوم بخدمة واحدة لعملائها دون أن تكرر العمل معهم، أن تراجع نفسها، وتبحث عن سبب عدم عودة عملائها للعمل معها ثانية.
في الأخير أودّ أن أنبه لنقطة هامة ربما سوف يتم النقاش فيها، هي مسألة السعر في الخدمة، فيمكن أن يقول قائل: أي عميل سوف يكون غبيا إن لم يقبل بعرض سخي وثمن أقل لإتمام معاملته، فجواب هذا بسيط هو أن تعامل العميل مع الخدمة شيء ومع السلعة شيء آخر، ففي شراء السلعة أبحث عن الأقل سعرا، أما في الخدمة فأبحث عن الأحسن عرضا واستقبالا وجودة، ثم أجد نفسي أدفع ثمن تلك الخدمة مرتاحا، وفي عصرنا الحالي قد تطورت الأمور وأصبحت الشركات التجارية تقدم سلعا بسيطة في ثوب فخم ودعاية كبيرة، ولسان معسول، حتى تجد نفسك تشتري السلعة وتستهلكها وأنت راض جدا، ثم لا تشعر بفعلتك إلا لمّا تدفع المبلغ وتمسك السلعة في يدك، ولكم أن تجربوا ذلك في المجمعات التجارية الكبرى، وعند اقتنائكم للأطعمة السريعة، أو المشروبات مثلا.
الجودة أولا ثم السعر، هذا ما أوصي به إخواني المصممين، فلا تحزن لذهاب عميل أو اثنين أو أكثر لمجرد سماعهم بسعرك الغالي بعد الحوار والمفاوضة طبعا، ولكن اعلم أنك تبني اسما في السوق سيذكره الناس كثيرا إذا أنت تعاملت بمبدإ الجودة والإتقان، وهذا استثمار بعيد الأجل، محمود النتائج.
التدوينة منشورة أيضا في موقعي نقطة بداية وميديا فيكوس
Comments (2)
جآبر .. حقآ ابدعت في هالتدوينه وانا شآكر لك ..
استفدت منها كثير ..
[…] نوع خاص حسب ما نريد ووفق ما نطمح؟ أهو السعر أو الجودة؟ [ قراءة المزيد .. ] هذا المقال أستخلص من مدونة جابر ، ومن هنا يمكنك […]