غالبا لو تسأل أي شاب جزائري عن السياحة في بلادنا سيجيبك يائسا أو ساخرا أو ساخطا، والقليل النادر الذي يرى أن هناك فرصة وإمكانية لتطويرها، حتى أن البعض يذهب لإنكار الفكرة عموما مما ورث من تصوّرات سيئة سابقة حولها، حيث أننا لن نجني منها إلا الويلات والمنكرات!
لو جئنا لتحليل هذه الأنماط وجدنا أحدها من ذلك النوع الذي يئس من كل شيء في بلده، ويرى بلاد الناس هي الجنان، وهي الكل في الكل ولو كانت الكاميرون أو أنغولا، هو لم يشاهد في حياته غير ما يرى، لذا كان ضحية محيط لا يؤمن بشيء غير المستحيل والمستبعد.
أما الآخر فهو ممن لديه انطباع محدود جدا عن وطنه، وربما لم يفارق حيّه الذي يسكنه، ولم تر عينه غير قنوات الجزيرة الوثائقية أو الناشيونال جيوغرافيك، أما الجزائر فهي بلاد (ميكي!) لا يمكن أن تمتلك سياحة ولا مناظر سياحية لأننا ألفنا رؤية الأكياس البيضاء الممزقة فوق العشب الأخضر الطبيعي، والعبوات الفارغة من المشروبات المشروعة والممنوعة في الزوايا والأركان، هنا أجد أنه علينا الاعتراف بالأخطاء لنكون في سبيل التخلص منها.
في الحقيقة يمكن القول بعد هذا إننا نمتلك سياحة طبيعية على أعلى طراز، أي بعبارة أخرى ما كان من صنع الله دون تدخّل يد إنسان، لأن إنساننا ما وضع يده على منطقة إلا أفسدها بنفاياته أصلية كانت أو اصطحبها معه فتركها هناك، فلو لاحظنا أننا في سؤالنا عن أماكن سياحية جزائرية غالبا نبحث عن التي لم تطأها قدم من قبل، أو التي لا يكثر فيها الناس، لماذا؟ لأننا نبحث عن النظافة المعنوية والحسية، وهذا ما يندر أن تجده للأسف في وقتنا هذا.
في الجزائر يعتبر أغلبنا أن الدولة لم تقم بدورها في مجال السياحة، لكن هناك جانب كبير من المواطن نفسه، لأن السياحة ليست تجسيدا لمساحات خضراء، ولا تشييدا لمباني وناطحات سحاب فقط، إنما هناك لمسات لا يكتمل المشهد دونها ولا يمكن القيام بها إلا من المواطن:
- ثقافة الابتسامة، والكلام اللطيف الجميل، وحسن الخلق مع السائح من ابن البلد أو الأجنبي على السواء.
- النظافة وهذه هي الطامة الكبرى، فالأكياس وملحقاتها في كل زاوية وركن ولا أزيد في هذا الأمر.
- النظافة المعنوية والتي تفقد حين تخرق العادات والأعراف فترى ما لا يسرّك، وتسمع ما يضرّك، وهذا ما يجعل الكثير يحجم عن التجول بعائلته، إلا مضطرا!
- الأمان والطمأنينة من السرقات والمضايقات كذلك، لأنه لا شيء ينغّص المتعة كهذه التصرفات الفردية.
هذا ولمن بيده الأمر كذلك مسؤولية تأطير هذا النشاط، وتنقيته ممن لا يستحق العمل فيه من شباب عيونهم في جيبك من أول وهلة، فهذا مبلغ لموقف السيارات، وآخر لمجرد التصوير أمام منظر طبيعي (لم أفهم ربما ذلك الشلال أو الجبل ورثه من جدته لأمه!) ومبلغ لمكان جلوسك، وآخر لمكان وقوفك، حتى أنه سيصبح قريبا دفع مبالغ لكل ذرة تراب تعلق برجلك في شاطئ من الشواطئ!
لا أود رسم صورة سوداء عن وضع السياحة عندنا من أول وهلة وأنا الذي أريد أن أدفع بها وأشجّع لها، لكنها الحقيقة في أغلب الحالات، كما أن هناك استثناءات، أرجو مع مرور الوقت أن تنقلب المعادلة، ويصلح الوضع وهذا ممكن جدا ببث الوعي وتعميم الخطاب الإيجابي، كما أركز أن هذه الأمور ليست حكرا على الجزائر، فالمشاهد في الدول الأخرى تتشابه وتتكرر أيضا.
السياحة مجال رحب كبير، هي ثقافة وفن وسلوك، علينا التحلي بها، لكن قبل ذلك علينا التخلي عن تلك المفاهيم البالية والتصرفات الخالية، فلدينا أماكن تجعلنا نقضي سنوات وسنوات نتجول فيها ونستمتع بها، قبل التفكير في وجهات خارجية، وفي كلّ خير.
هذه مجرد مقدمة وستتلوها تدوينات أخرى عن السياحة الجزائرية، أحاول أن تكون كوجبات خفيفة، وأدعو جميع المدونين لسلوك هذا المنحى كل من زاويته الخاصة، ووفق نظرته الشخصية، فكما أنه من حقنا النقد البنّاء فمن واجبنا المساهمة في البناء، للعلم فالمبادرة سبقتها مبادرات كثيرة أذكر على سبيل المثال الصديق عصام وموقع (جرّب الجزائر TryAlgeria) هي تجربة رائدة تستحق كل دعم ومشاركة وإشهار، كما أن هناك مبادرات أخرى يشكر أصحابها وكل من كانت له يد فيها.
مصدر الصورة: [فليكر]
Comments (16)
مقال في الصميم أخ جابر ن أتفق معك في أغلب ما ذكرت ، خصوصا فيما يتعلق بالنظافة ، أصبحت أعاني عقدة بسبب الاكياس التي تطارنا حتى في الطرق ما بين الولايات ، حيث أصبحت نوافذ السيارات والحافلات “مزابل ” أكرمكم الله ، أشدد على نقطة النظافة والعمل من أجل تحسين السلوكات الفردية والجماعية في هذه النقطة.
أما عن غلاء الاسعار ، أتفق معك في بعض النقاط، لكن ميزة السياحة في اي مكان استغلال الظرف للكسب بكل الطرق .
أخيرا سؤال فضولي ان سمحت 🙂
لماذا كتبت : (لم أفهم ربما ذلك الشلال أو الجبل ورثه من جدته لأمه!) وليس جدته لابيه ؟ 😉
الأخت إيمان يشرفني حضور تعليقك هنا، أما عن سبب اختياري هذه المرة لـ “جدته من أمه” فلم يكن إلا تقسيما للأدوار فربما يأتي ماهو من جدته لأبيه في قادم الأيام…
مدونة رائعة وفي الصميم .
اضيف ينقصنا المساعدة من اليعد العليا فقط لا اكثر فشبابنا وليس اغلبهم يعرف ان بلاده جميلة .
هناك شيء أريد أن أضيفه حول اللمسات التي لا يكتمل المشهد دونها ولا يمكن القيام بها إلا من المواطن:
– الحفاظ على الموروث الموجود سواء الموروث الطبيعي أو الثقافي المادي أو اللامادي..
ففي الكثير من الأحيان وخاصة المدن يحز في نفسي كثير أن أرى الفيلات من طراز (علب الكبريت) وسط المدن ذات العمران الموريسكي أو التركي أو حتى الكولونيالي… هذا يفسد ويشوه تناسق العمران الذي يشكل جمالية سياحية.
وفي الكثير من الأحيان يساهم الناس في محاربة الموروثات الطبيعية أقصد بالخصوص هنا الغابات ..
.
.
التراث اللامادي أيضا.. موسيقانا، أشعارنا الشعبية، القصص الشعبية، لم نعد نجدها في الأسواق الشعبية (كما هي في تونس والمغرب مثلا)… ولكن أخبروني هل بقى هناك أسواق شعبية عندنا… ؟؟؟
نعم لو اهتم كل العرب ببلادهم لكان العرب عرب ولاصبحت بلادهم يحكي عنها في كل العالم وتاتي اليها
وفود تلو الوفود
.اظن ان الجزائر تزخر بأماكن “طبيعية”سياحية في اعلى طراز اضافة الى المناخ البديع الذي تمتاز به. لكن مايفسد هذا الجمال سلوك المواطن كما ذكرت فكلما تحركت دفعت الثمن واحيانا لا تعرف على ماذا تدفع ناهيك عن الامن الذي اصبح نادرا في وطننا فالمضايقات والسرقات والاعتداءات بشتى انواعها تنفر السائح مع ان الامن من اوليويات السياحة. فهل يمكننا تغيير هذا الحال الى الاحسن ؟ نرجوا ذلك والمسؤولية مسؤولية الجميع وخاصة الاسرة.
شكرا لك أخي جابر على هذا المقال ، فقط أشير إلى نقطة ذكرتها في الموضوع كتعبير مجازي وهي في الحقيقة تشمل التعبيرين المجازي و الحقيقي وهي “شباب عيونهم في جيبك من أول وهلة” يمكن أن أضيف إلى مقالك السرقات و الإعتداءات الإفتراسية على جيوب السواح الأحانب أو المحليين أمام الملأ الذين لايستطيعون أن يحركوا سكنا، تحت مقولة “دير روحك ماشفتش” وهذا النوع من السرقة رفضها يؤديك إلى استقبال أسلحة بيضاء ، وهذا الأمر الذي لم تجعل سلطتنا حدّا اتجاهه . قصة واقعية : منذ أسبوعين حضرت ندوة اقتصادية في ولاية من ولايات الوطن قدمها مجموعة أشخاص أجانب عن تلك الولاية ، فعند خروجنا لوجبة الغذاء دخلوا أشخاص إلى القاعة فسرقوا الكمبيوتر و جهاز العرض الضوئي ووووو …، حيث أسقطت معنويات المحاضرين بقوة . والسلام عليكم
حيث اسقطت معنويات المحاضرين بقوة . رايت مثل هذا الاحساس ونفس المشكل مصدره السرقة .لا حول ولا قوة الا بالله .
اخي جابر اهنئك على المدونة الرائعة و الموضوع الأروع …
لدي طلب اخي جابر
هل يمكنني الحصول على قالب مدونتك ؟؟؟؟
و شكرا …… انتظر ردك ………..
ربي يحفظك اخي دمت متألقا بمواضيعك
يبدو انك الان تستفيد وتطور من خبراتك في دولت اﻷم الجزائر.. والفضل يعود لزيارتك لدولة قطر الرائعة .. تعجبني غيرتك على وطنك واتمنى لك التوفيق
مدونه جيده جدا
كم اتمني ان ازور الجزائر ولكن لا يوجد شخص زارها من قبل اتمني من شباب الجزائر فتح المجال اخوانهم اهل الخليج العربي بفتح مجال السياحه
ويجب تعليم الناس مهمة السياحه فهي تعكس سلوك الشعب والحضاره ولا اشك باخلاق اهل الجزائر لانني اراهم فقط في مكه المكرمه اتمني وانا علي استعداد بفتح شركة سياحيه بالخليج العربي لدولة الجزائر
اتمني النظر بالموضوع بجديه كبيره
شكرا جابر
walah 7aja chaba n3raf 7waiaj 3la bladi.
موضوع جديد فعلا
و من وجهة نظرى انه يجب اعادة دور الدول فى تثقيف الشباب عن طريق تبادل الزيارات الثقافية السياحيةجزاك الله خير اخى جابر
الجزائر تمتلك من وجهة نظري طابع خاص كبلد ،ليست لأنها بلد أمي وحسب، ولكن حقيقة شعبها دافئ وودود وطبيعتها ساحرة لأقصى الحدود من الغابات والجبال والشواطئ ولا تفارق نكهات طعامها فمي الى الان وان كانت بها بعض الظواهر السلبية فهي موجوده تقريبا في كل البلاد العربية وليست بها فقط، امتلك بها ذكريات لا تقدر بثمن، اعشق الجزائر واتمنى ان أزور بلدي ونصفي الثاني في اقرب وقت .
بصراحة لاول مرة أسمع عن الجزائر ، فنضري يمكن تحويل الاقتصاد الجزائري الى سياحي كما حاليا في المغرب
ان شاء الله نرى الجزائر قريبا من اجمل البلاد السياحية هى و مصر
تحياتى لك اخى جابر