عادة ما يتقلب الإنسان بين عاطفتين، ويحيا بين مزاجين وحالتين ذهنيتين، إحداهما تتمثل في تصرفه وسلوكه عندما تستوي أموره وتبتسم له الحياة، أما الثانية فتبدو واضحة في سلوكه عندما تشتد ظروفه المادية وتضيق به الحياة، وبين هذا وذاك تزداد العلاقات تماسكا وتآلفا أو تتفكك وتذوب.
المال أصعب اختبار لانكشاف الشخصية على حقيقتها، بوفرته يفضح قابلية الإنسان للاستغناء والتعالي، وبفقدانه يفجّر مكنونات صاحبه وميله نحو الحصول عليه بأي طريقة ومهما كان الثمن، خصوصا من ابتلي بمرض المظاهر، وعقدة النقص من بُعده ماديا عن غيره من أقرب الناس إليه إلى أبعدهم.
المال صخرة تنكسر فيها الكثير من المبادئ، وتذوب بحرارتها قيم كانت مجرد شعارات على الألسن، هو اختبار معقد لمن ملأ قلبه به، وأفرغ عقله إلا منه، الحائز عليه دون وعي خطر على نفسه وأسرته ومجتمعه، يكلّف غاليا بأخطائه، جهدا ومالا وزمنا.
نتساءل غالبا عن أسباب المشاكل والخصومات بين الشركاء في التجارة، والأسر في التعامل مع الإرث والتركات، أليس المال عاملا مشتركا يحول بينهم كل مرة؟ هل يعود ذلك لسوء فهم في تسيير المال ذاته؟ أم لأسباب تتعلق بالتنشئة والتصور تجاهه؟
ربما نفترض أن الحل في إدراك العلاقة وتحديد المسافة مع المال ووضعه في إطاره، والحرص على إعادته لمكانته كلما تسلل منها أو حاول، بالتذاكر والتناصح ومراجعة النفس باستمرار.