يستقبل المصمم الفني من حين لآخر طلبيات لخدمات يقوم بإنجازها دون أي إشكال، خاصة في أولى مراحله فيما يتعلق بمحتوى الخدمة وبُعدها وأثرها، وكذا مرجعيتها الفكرية وخلفيتها المعرفية، ثم شيئا فشيئا يجد نفسه معترضا على بعض الأفكار التي تتصادم وقناعاته، أو ما كان قد منها عهِد وألِف.

يمكن أن نقسم المسألة ابتداء لقسمين، أولهما حينما يكون المصمّم طرفا موظّفا في مؤسسة معينة، وفي ثانيهما يتعلق الأمر بالعمل الحر (Freelance)، إذ لا رقيب ولا مدير يأمر وينهى، المصمم في هذا الموقف سيد نفسه، إلا أن فصول القضية تتشابه في أغلبها وتتباين في بعض التفاصيل.

يبدأ المصمم مهنته حرا أو كموظف تصميم فني يحاول الجمع بين اللمسة الفنية الخاصة به في تعامله مع طلبات الزبائن (العملاء) وكذا المهارة التقنية الضرورية ما استطاع، مع بعض الإشكالات المتداولة من اختلاف في الأذواق أحيانا، وخروج عن نص التخصص أحيانا أخرى، زيادة على كل ذلك حينما يتعارض محتوى الخدمة مع القناعات والآراء، كيف ذلك؟

اختلاف الرأي في محتوى الخدمات درجات، فمنه اختلاف في الأصول ومنه في الفروع، أما الأصول فما تعلّق بالدين أساسا، أو ما يمس بخرق قانوني مثلا، كأن يطلب الزبون تصميم غلاف كتاب يمجّد (الإلحاد) ويدعو إليه، أو منشور يدعو لفتنة واضحة صارخة مثلا، وفي هذه الحالات غالبا ما يكون الموظف محميا من مؤسسته فيتم رفض الأعمال من جهة أعلى منه، ويسلم هو من كل هذه القضية، أما إن كان حرا فهو ينأى بنفسه عن مغامرة غير محسوبة العواقب.

مع ذلك هناك خلل في هذا الموضوع بالذات، وهذا حينما تكون مصمما في شركة لا يعبأ صاحبها بأي حدود دينية ولا عرفية ولا قانونية، فيرغمك على أعمال لست مقتنعا بها، ففي حديثي لبعض الأصدقاء أحيانا ممن وقعوا في هذا المطب وجدت منهم من يغض الطرف عن المسألة مقابل استفادته ماديا، طبعا لا أتفق معهم تماما، لأن الأرزاق بيد الله وحده، وكان عليهم محاولة إصلاح الخلل، وإلا الانفصال هربا برسالتهم!

كل هذا لازلنا في القضايا الكبرى التي لا يختلف عليها اثنان، لكن ماذا لو كان الاختلاف في محتوى العمل أقل خطورة وأدنى مستوى، كأن يتقدم إليك مؤلف وأنت تحت إطار الشركة أو بغيرها، يطلب منك تصميم غلاف لكتابه، إلا أن المحتوى لم يرُق لك، ولديك فيه ملاحظات عدة، فهل تمسك عنك لسانك وتنجز له العمل رغم اعتراضك عليه؟ هنا السؤال…

في هذه الحالة هناك عدة حلول، فإن كان ما تود تصميمه عملا مؤثرا في رأيك فيمكنك الاعتذار بلطف دون شدّة دفعا للحرج، وإن كان الاختلاف في فكرة بسيطة فاترك تلك المساحة من تعدد الرأي الإيجابي، وامض في التصميم مبيّنا ملاحظاتك بشكل حكيم أيضا للزبون، فلربما أقنعته أو اقتنعت أنت بتصحيح بعض التصورات الخاطئة منك، وهذا غير مستبعد تماما.

هناك من يرى للموضوع من زاوية أخرى، ويرفض أي تدخل في محتوى ما يصمم من منطلقات عدة، مادية -كما ذكرت سابقا- أو عدم وجود رصيد علمي كاف يجعل منه مناقشا منقّبا، أو كذلك تفاديا لأي إحراج ودخول في متاهات وخلافات هو في غنى عنها.

ظاهر المسألة تطبعها الحرية، إلا أن المطلوب هو الانسحام بين الفكر والعمل، أي أن ننجز ما نحن مقتنعون بفائدته وصلاحه، لا أن نعتقد أمورا ثم نفعل غيرها خوفا أو تعنتا أو تجاهلا…

في الأخير يبقى قبول الأعمال ورفضها مسألة سيادية بيد المصمم، وكلما كان مثقفا واعيا كان التمييز أسهل إليه، واكتشاف الخلل في محتوى ما يصمّم أبسط، بالإضافة إلى ذلك إن كان متمرسا محترفا في أدائه فقد جمع إليه الحسنيين، لا يخشى بعد ذلك ضياع فرص مادية آنية، إنما هو بنفسه يعاني كثرة الطلب وبإلحاح!