لكل شاب ميوله ومواهبه، ولكل مجال روّاده وأصحابه، وبالتالي فمفهوم القدوة أو المثال هنا أقصد به محاولة التقليد، والتأثر بأفعال ذلك المقتدى به، فلاعب موهوب في كرة القدم يلهم متابعيه، والمغني والممثل كذلك، فالقدوة ربما تكون صالحة ومحمودة وربما تكون غير ذلك مع الأسف الشديد، فليختر أحدنا من يقتدي وفي ماذا يقتدي.
طبعا لست هنا لأخوض في موضوع القدوة الحسنة أو السيئة وانعكاساتها على الشخصية، ولكن أثرت هذا الموضوع من منطلق نصحي لأي مصمم في بداية طريقه باتخاذ قدوة أو معلّم لأعماله الفنية، بل عدة قدوات، فشخصيا لما بدأت أولى خطواتي في التصميم – ولا أزال ميتدئا – اتخذت من صديق سبقني بكثير قدوة ومثالا، وتعلمت على يده أصول الألوان واستعمال البرامج، بل حتى بعض المهارات والتفاصيل في التعامل مع الزبائن وطلباتهم، وكيفية تلبية رغباتهم مع الحفاظ على قوانين وأسس التصميم، في الحقيقة أفادني كثيرا في فنون التصميم التجاري، حتى أن بعض الأصدقاء لاحظوا عليّ ذلك من خلال التقارب في تصاميمنا لاني استعملت الكثير من لمساته لخدمة أعمالي لما وجدت فيها من جمال ولكوني ارتحت إليها واطمأننت.
ولا أنكر بهذا فضل الكثيرين ممن أخذت منهم فوائد أيضا سواء من الذين عرفتهم، أو من فنّانين تركوا بصماتهم في الأنترنت كمواقع أو مدونات أو معارض أعمال في مواقع التصميم المعروفة. فالشكر لهم جزيل والفضل بعد الله لهم في ما أظن أني وصلت إليه بالمقارنة مع ما بدأت طبعا، فلا أزكي نفسي ولكن أود من خلال هذا الموضوع إيصال فكرة وجوب اتخاذ القدوة والمثال، وعدم التنكر والادّعاء بتأسيس المهارات من الصفر، وبناء الشخصية الفنيّة دون مساعدة إنسان، فهذا تفكير خاطئ ولا يوصل صاحبه بعيدا، فلا أحد يجهل بأن تطور العلوم كان تراكميا، والفضل في ما ننعم به من التقنية العالية – كمستهلكين للأسف – يعود لعلماء من القرون الماضية أذابوا الشموع لإرساء القواعد والنظريات.
ربما يسأل القارئ كيف لي باختيار القدوة؟ ومن سأختار؟ وكيف؟، القدوة أقصد بها من يعطي إشارة الانطلاق، ونكون ملازمين له أغلب الفترات، أما الذين نطّلع على أعمالهم في الأنترت فأعجبنا بها فاخيارهم راجع لميول المصمم نفسه، فكما نعلم التصميم مدارس وتوجّهات، فالتصميم في المشرق ليس كالمغرب، ولمسات المصمم الأمريكي ليس كالفرنسي، وهكذا…، فالفن مجموعة ثقافات وأفكار تمازجت وأخرجت ولازالت تخرج أنواعا عدة من اللوحات والطرق والوسائل لتقديم أعمال راقية مميزة، فليس شرطا أن نتقيد بشخص بحد ذاته، بل يمكن أن تكون قدوتنا مؤسسة كاملة في نقطة معينة، وفنان في نقطة أخرى، وموقع وهكذا…، يعني أن الفنان الذي أقتدي به لا يهمني دينه ولا وطنه ولا سنّه، كل ما في الأمر أن أختار المفيد وما لا يتنافى مع شخصيتنا وفكرنا وديننا بالأساس، ونترك الباقي.
فالأمر يحتاج لبعض الممارسة والحكمة وحسن التصرف في استخراج الفائدة التي يمكن أن بدورها تضفي على أعمالنا الفنية لمسة إضافية، فكل يوم تصدر أعمال جديدة جميلة، ومن الأساليب التي نطوّر بها أنفسنا هو محاولة الاتصال بمصممها، وما أسهل ذلك هذا الوقت، نتصل بالمصمم ونسأله عن بعض الخطوات التي قام بها، وعن سبب بعض اللمسات والهدف منها، هذا الحوار ينمّي فينا زادا معتبرا من المعلومات التي سيستنجد بها عقلنا عندما نكون أمام تصاميمنا في مرحلة إنجازها.
فلنعرض أعمالنا على غيرنا ونطلب منهم النقد البنّاء وذكر نقاط قوتها وضعفها، وكما قلت سابقا ليس ضروريا أن يكون هذا الذي يقيم ذو معرفة سابقة لنا، ولكن ربما من خلال موقع معين يترك تعليقا على التصميم نجد فيه من الفائدة مالا نجده في الكتب أو مراجع الدروس التعليمية.
الاحتكاك بالفنانين بسيط مع توفر عناوينهم الإلكترونية وأرقامهم، فقط حاول الاتصال وأحسن الخطاب، وأفد أيضا بالنصح والاقتراح والحوار، ولا تكتفي باستهلاك المعلومة، وأخذها مسلّمة، فاليوم أنت باحث عن القدوة وغدا سيبحث عنك من يريد التطور والتعلّم.
التدوينة منشورة أيضا في موقعي نقطة بداية وميديا فيكوس
Comments (2)
مشكور علي مقالتك الجميلة
الله الموفق