النماذج المنافسة تحرك في الإنسان حبّه للعمل والاجتهاد، ورؤية غيره يبدع ويتفوق تجعله يعيد النظر في إمكاناته لينجز أيضا، هي دوافع فطرية تسري في الفرد أو المجموع، وتظهر في كل دائرة حولنا، ونعيشها واقع حال، إلا أن التنفيذ والنزول للميدان بها يختلف من داع إلى المشاركة لغرض المشاركة، وكذا من لا يرى جدوى من الإقدام إلا بعد استيفاء جملة من الشروط والأسباب، ففي أي من رأي الفريقين النجاعة والفاعلية؟
لو نتأمل في أنماط التنشئة لدينا لتتضح الصورة ويتيسر المفهوم، فالساحة مليئة بالبدائل والنسخ والطرق والتجارب في كل تخصص وأي مجال، إلا أن النجاح يكون حليف وقدر البعض، والفشل والخذلان ملازم للبعض الآخر، وهذا منطقي في ظل الحكم بالثنائيات، إلا أنه يمكن التصنيف والحكم بموازين أخرى مثل الأثر المعنوي عوض المادي، ودراسة المرحلة والوعي بها وفي أي منزلة هي مقاربة بالمخطط الأشمل، ومقارنة الوضع بما سبقه، فيمكن أن تنظر لتجربة بمنظار مختلف عن ما يعتبرها صاحبها، فأنت مثلا تنتظر الثمار وتقيس بها الأداء، فيما هو لا يولي لها اهتماما بالغا -مؤقتا- بل جل التركيز ذلك الوقت على البذور.
شعار “المهم المشاركة” ليس في غالبه صحيحا، فالناظر للمدى البعيد يعتبره استنقاصا من قدر الرسالة المراد تبليغها، وصاحب التخصص يرى فيه نوعا من التضحية ببعض المبادئ والتنازل عن جملة من المعايير والمقاييس الاحترافية، كما أنها مدعاة لاستعجال النتائج وعملا بمنطق ملء الفراغ، بهذا يقل الحافز في أول اختبار، ويأفل نور الجودة وينخفض سقفها في ظل غياب النموذج الأمثل للاستلهام والاقتداء.
ما أنصح به أن نأخذ مهامنا وأدوارنا مأخذ الجد، ونتحمل في سبيلها أقسى الخيارات وأصعب المسالك، فلا نرضى فيها بأنصاف الحلول، وأرباع الجهود، وأعشار النتائج، لنرفع من سقف الطموح كي تأتي النتائج طيبة مدوية، وبالتالي يكون الأثر عميقا وواسعا.
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا