تسعى أي شركة لفرض نفسها في السوق وذلك من خلال استعمال عدة أنواع من الوسائل الدعائية، تبدأ أولا بالخطة التسويقية إذ تضعها شركات متخصصة تقدم استشاراتها وتنفذ خططا إعلانية مدروسة، ومن ضمن تلك الأنواع الفواصل الإشهارية في القنوات التلفزيونية.
هذا الموضوع تناوله العديد من المدونين، مثل الأخ بدر أكرم، ونوقش في المنتديات، والأوساط الإعلامية، فماهو الفاصل الإشهاري؟ وما هي ضوابطه؟ والأهداف منه؟ وهل قنواتنا وطنيا و عربيا ككل تبث ما يفيد تجاريا وأخلاقيا؟
تستمد القنوات التلفزيونية قوتها من خلال جودة برامجها، مما تجذب إليها مستثمرين للإشهار لديها، ومن ثم زيادة مداخيلها وأرباحها، هذا ما يقع في واقع القنوات الفضائية الخاصة، أي التي قامت بتمويل خاص من شركات أو أشخاص، أما ما كان من تمويل حكومي فلا تهم فيه الجودة كثيرا، كون المستثمرين من الشركات الوطنية ومشاركتهم بالفواصل الإشهارية مسألة مفروغ منها، لذلك نرى ما نرى من إشهارات بعيدة جدا عن الجودة والقيم.
ومن الخطط التسويقية تصوير فواصل دعائية ويعبر عنها بومضات إشهارية، (Spot Publicitaire) هذه تعد أغلى الخطط التسويقية بالمقارنة بغيرها من وسائل الدعاية المطبعية، وغلاؤها يعبّر عن قيمتها وتأثيرها، وسرعة مشاهدة نتائجها وانعكاساتها، والحديث عن الانعكاسات هنا نقصد به الإيجابي والسلبي على حد سواء، والخطة التسويقية تقوم بها شركات متخصصة في الاتصالات والوساطات ودراسة المشاريع حيث تتفق مع شركة من شركات الإنتاج والتنفيذ بعد مرحلة الدراسة.
لا يعني أن كل شركة تعنون نفسها بوكالة اتصالات (Agence de Communication) هي قادرة على إيجاد أحسن طرق تسويق منتج أو علامة تجارية، فالسوق مليء بها ولكن قليلة تلك المحترفة – أو على الأقل التي تبحث عن الاحتراف وتصبو إليه -، فالأفكار أغلبها مستورد قلبا وقالبا من القنوات الأوروبية والغربية، فلا القيم تناسبنا دينيا ولا فكريا ولا اجتماعيا، لا أريد الاستغراق في وصف حال مؤسف، حتى لا أكون متشائما من جهة، ولكي لا أحيد عن هدفي من جهة أخرى وهو إيجاد البديل واقتراح الحلول، عوضا عن الاكتفاء بالبكاء على الأحوال.
الومضات الإشهارية يزدهر سوقها في شهر رمضان، أو عند بث مسلسل مشهور، أو مقابلة في كرة القدم، فالبرامج تتنوع بغثّها وسمينها، وبين لحظة وأخرى يبث إعلان عن منتج معين، وغالبا ما يتناوب بين المنتوجات الغذائية أو مواد التنظيف، أو متعامل من متعاملي الهاتف النقال، تلك الإعلانات تستهويني كغيري لأخذ بعض الوقت معها أحلل فكرتها والهدف منها وطريقة عرضها وتنفيذها، فألاحظ مثلا:
- عدم مراعاة بعض الأخلاق والعادت الحسنة خاصة في مجال الطفل، حيث يتم الخلط بين الأكل واللعب بآلات حادة ووسخة، فيما نوصي أطفالنا بالنظافة قبل الأكل، أو تشجعهم على العراك تحت غطاء اللعب، فقم بتوسيخ ملابسك ولا عليك، الحل مع…..؟، أو تمرر مشروعها التجاري بكذبة كما حدث يوما بأن يجيب الطفل في الهاتف ليقول للمتصل “أبي ليس هنا” وهو بجانبه يشير له بذلك، ربما هي أمور ترونها بسيطة لكنها مؤثرة جدا في سلوك الطفل، حتى يصل لدرجة إنكارها هو بنفسه وملاحظة ما نعجز عنه نحن الكبار حين مشاهدتنا، فيبادر بأسئلة بريئة لكنها تحمل معان دقيقة وعميقة.
- المرأة المتبرجة علامة مسجلة في الإعلانات، فبعدما سئمنا مشاهدتها في إعلانات تخصها وتتعلق بها، نجدها الآن في كل مجال بداعي علاقتها بها، فالأكلة تحضّرها هي، والصابون تغسل به، والسجاد تزيّن به، والهاتف تستعمله مع زوجها، – وفي بعض الإشهارات حبيبها أوخليلها -، وهذا أيضا يجسد التقليد وعدم تكييف الواقع والظروف حسب مقتضياتها.
- السذاجة في تنفيذ الأفكار وفقرها من أي فائدة تضاف للمتلقي، بل بالعكس تنفّره وتجعله يقرّر عدم اقتنائها مثل إشهار لشركة اتصالات تعمل بالجزائر، بث في رمضان، فأقل ما يقال عنه أنه مقزز جدا.
هذه ملاحظات في محتوى الفواصل الإشهارية نفسها، أما لما نتحدث في كيفية تعامل القنوات معها فهذا أيضا يدعونا للتأمل قليلا، فمثلا عندما يكرّر الإشهار مرات ومرات، حتى يصبح مزعجا، أو يأتي في وسط لقطة مهمة ليقطع معناها ويذهب قيمتها، فهذا الأمر يؤدي لعملية عكسية وتجعل من المشاهد يسارع لتغيير القناة ريثما تنتهي الاعلانات، ومن الطريف أن يقول المذيع في أكثر من قناة لما يشير لوجود فاصل إعلاني عبارته الشهيرة: ” لا تذهبوا بعيدا” فهو على علم بذهاب المشاهد في فترة الفاصل إما أن يقوم فعلا لأمر ثم يعود، أو يغيّر القناة مؤقتا، فكيف يكون الإعلان هنا نافعا؟
ومن الملاحظات الخطيرة في الإعلانات الكذب على الزبون ومراوغته، من باب التسويق والتشويق، فكأن الشركة هنا تتبع أسلوب “الغاية تبرّر الوسيلة” وتسعى للربح السريع في تلك المرحلة ولا تفكر كثيرا في مستقبلها، فعندما يتم عرض إعلان بغرض جذب الزبون وفقط، دون مراعاة للصدق والأمانة في بث المعلومة، تسقط مصداقية الشركة كثيرا، وتصبح في مهب الريح.
توجد أفكار إعلانية حقيقة تأسر المشاهد، وتجعله يتمنى تكراره في كل مرة، كبعض إشهارات السيارات مثلا، هي تلميحات ذكية وبوقت قصير جدا ،تجدون بعضا من الأمثلة في موقع اليوتيب فما عليكم سوى البحث فيه والاستمتاع بروعة الإبداع في الأفكار فقط، أما القيم التي تبثها ففيها ما يحسب عليها بالنسبة لواقعنا ويمكن أن نميّز بين النافع والضار منها.
مسؤولية الجودة وانتقاء الأفضل مسؤولية شركات الدعاية والإعلان بالدرجة الأولى وبدرجة أقل أصحاب الشركات المعلنة نفسها ثم القنوات الي تبث، فالفكرة كلما كانت قوية كانت النتيجة والمردود كذلك، فهذه المرة لا ألقي اللوم كثيرا على القنوات التلفزيونية لأن هناك من يشاركها ثقل التهمة، ولنعلم أن أفكار الومضات الإشهارية تأتي بالتخصص والتعمّق والخبرة، وليست مجرد هواية وعمل جانبي، العمل يكون فيها بتحليل الفكرة وطريقة تنفيذها، وتدرس من كل الجوانب أخلاقيا وفكريا ودينيا واجتماعيا وو… كلها أمور يجب أخذها بعناية وتدقيق، دون التسرع والوقوع في المطبات، فربّ طفل تأثر بمشهد في دعاية تلفزيونية وراح يقلدها دون علم بأخطارها، وتصوروا بعد ذلك حجم التأثير حيث ينقلها لأصدقائه وأقرانه.
Comments (6)
من المواضيع التي وضعتها ضمن قائمتي والتي قررت إدارجها في مدونتي، موضوع الإشهار وقد جمعت مادة لابأس بها، وقد تتطرقت تقريبا إلى ما تطرقت إليه مع بعض الإستفاضة في الكلام، وما لم تشر إليه، هو أن هناك بعض القنوات الإسلامية وبعض القنوات العائلية التي تحاول جاهدة تقديم ما فيه منفعة للأمة، تقدم إشهارات موافقة للتعاليم والأعراف…، ولكن الطريقة التي تقدمها بها سيئة للغاية ..فعندما يطنب في الحديث عن مروحة مثلا أو أواني منزلية إلى غير ذلك، يكون الخطاب الموجه للمستهلك دون المستوى…وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المستهلك العربي عموما لازال في قائمة الإنتظار إلى أن ينظر في أمره…
تقبل مروري
الف شكر على المشاركة الرائعة
رائع والله يهبل
رائع جدا شكرا
هذا الموضوع جناقص اريد موضوع عن الاشهار و شكرا
الف شكر على المشاركة الرائعة