عند قراءة عنوان هذه التدوينة، سيتبادر لذهن أي قارئ غير جزائري سؤال ما معنى اليتيمة؟ وما علاقة اليتم بالإفلاس ورمضان، الجواب بسيط، فاليتيمة لدينا مصطلح يطلق على التلفزيون الجزائري الذي مازال واحدا رغم تعدد قنواته بالاسم فقط، أما المضمون والطرح فبقي وفيا لنفس المنهج المريض حينما كنا نملك الأرضية فقط.

نعم هذا واقع مر، ولا نبقى في وصف الحال، لأننا مهما وصفنا فلا نضع القارئ في الصورة الحقيقية، سواء بالزيادة أو النقصان، ولكن سأحاول التطرق إلى ما أراه من أسباب هذا المستوى المنحط، وكيف الخلاص منه، فكما كتبت في الموضوع السابق حول الجرائد، نجد أن حال التلفزيون لا يبتعد كثيرا عنه، وإن كان يحظى برقابة وصرامة أكثر من طرف الدولة.

أطل علينا التلفزيون في رمضان بما يسميه “برامج تناسب الأسرة الجزائرية”، باقة من البرامج من هواة همهم الوحيد الضحك بأنفسهم قبل إضحاك المشاهدين، فلا أعلم كيف كانت اللقطة حين جاءت عروض من شركات الإنتاج، وقبلتها الجهة المكلفة بذلك، أو على أحسن حال الشخص المكلف، فماهي المعايير؟ وماهو الغربال التي مرت عليه؟.

فهل كان الطلب أقل لذلك استقبلت تلك البرامج المتواضعة جدا في المحتوى والفكرة، وحتى التقديم؟ أم كالعادة فأمور هذه البلد تسير بـ “المعارف والأنساب” حيث تقبل أعمال الصديق وابن الخال، وابن العم، أو فوق كل ذلك من يدفع في الجيب مباشرة؟ فأي ضحك تضحكون على المشاهد؟ وإن كنا والحمد لله حاليا نملك فرصة الاطلاع على الفضائيات التي فيها ما ينسينا ولو للحظات ألم ما يذاع في قنواتنا الخمس.

هي خمسة لكن بعقلية واحدة، فلا مجال للمبدعين فيها، ومن كان كذلك فمصيره المتاعب إذا لم يفر بجلده لقناة في أوروبا أو الخليج، ولكم أن تحصوا عدد مقدمينا ومخرجينا وطاقاتنا الثمينة التي تطل علينا من قنوات تدفع لهم أكثر، وتترك لهم مجال العمل بأريحية، ثم تحاسبهم بالجودة وهذا هو عين العقل.

كان خبر منع المسلسلات المصرية عليّ بردا وسلاما وكم فرحت لأجله، ليس لأنها مصرية، ولكن لأنها مسلسلات هابطة، وقد كانت كرة القدم  سببا من خلاصنا منها، ولما جاء رمضان، أصبت بالغثيان، فاعتمادنا على الغير فقط جعل منا أضحوكة لما قررنا الاستغناء عنه، حيث كانت برامج هواتنا من المنتجين خالية خاوية.، إلا مسابقة فرسان القرآن والتي لم تلق ذلك التسويق والإشهار كما عرفته برامج الكاميرات الخفية، فمازال لدينا عمل كبير حتى نكون في مستوى إنتاج برامج تغنينا عن الاستهلاك الخارجي، رغم أنه يبقى دائما مهما لنا ونحترمه كثيرا.

عندنا توجد الأموال والأجهزة المتطوة ولكن اليد العاملة فيها والمستغلة لها، هي من نصيب فلان وابنه وأخيه ومن والاه، لذلك لا نرى الجودة لا في التصوير، ولا الإخراج، والتقديم، وقد قصّ عليّ يوما شخص عمل لفترة في إذاعة محلية من إذاعات الجزائر، وحدث أن زارهم قني أجهزة يعمل في إذاعة في فرنسا، فذهل لما رأى من تطور الأجهزة التي يمتلكونها رغم أنها إذاعة محلية، ولكن تأسف للإخراج الرديء للصوت، والاستعمال غير الرشيد لتلك الأجهزة المتطورة، فقال لهم: نحن في فرنسا لدينا أجهزة قديمة الصنع لكن يد التقني فيها تجعله يوظفها أحسن توظيف، بفضل تخصصه ومحاولة التطور فيها باستمرار.

وبموضوعية وواقعية لو نسأل أي موظف طموح في التلفزيون الجزائري، حول مستقبله، فسنجده يبحث عن أية فرصة ليلوذ بجلده نحو قنوات أجنبية أكثر احترافية، وإن حدث ووجد الفرصة فلا أشك أبدا أنه سيقدم أداء مشرّفا، ويتقن عمله ويرفع اسمه واسم بلده، فلماذا لا نستثمر هذا عندنا؟ وإلى متى نبقى تحت وطأة هذا الواقع المرير؟ فلم نسمع يوما باستقالة رئيس فاشل إلا بعدما تقع له مشكلة شخصية، يعني أن استقالته لم تكن من نفسه ومحض إرادته ولكنها من ظروف من حوله ممن يكبره منصبا ونفوذا.

إذن المشكلة ليست في الأموال، ولا في الطاقات، ولكن في حسن التسيير والاستثمار، فالأعمال موجودة والتوجيه غائب، والفرص موجودة والعدل غائب، والطموح موجود والدعم غائب، وإن سألت أي صحفي يعمل في الخارج في إمكانية عودته لوطنه لو توفرت له تلك الظروف فلا أشك لحظة أنه سيقبل ويرمي كل جهده لتطوير تلك المؤسسة المحترفة، ولا يأل جهدا في العمل بتفان فيها.

طرحي هذا عن التلفزيون الجزائري لا يقلل من شأن من يعمل فيه لأجل الرفع من قيمته، وإخراجه من مستنقعه، فهناك من الشباب الواعد من حمل لواء الإصلاح والعمل في الميدان لتغيير الواقع المر هناك، فألف تحية لهم، وهم بالتأكيد أفضل من كاتب يجلس في مكتبه ويخط كلمات كهذه!