مع حلول شهر رمضان تكثف القنوات الفضائية جهودها وتبدع في حملاتها الإعلانية لبرامج تختلف في شكلها ومضمونها ولكن هدفها واحد وواضح هو كسب أكبر قدر ممكن من المشاهدين، وتوسيع رقعتها بين المتابعين، لكن لماذا يحدث هذا خلال الشهر الكريم؟ أليس شهرا للعبادة؟ ألم يكن الرسول يطوي فراشه ويقلل غذاءه ليتفرغ للصلاة والتقرب إلى الله أكثر؟

هنا لا أرمي كل القنوات والبرامج في مصب واحد، ولا أضعها في الكفة نفسها، فهناك ما هو مفيد وهادف للأسرة المسلمة الملتزمة، وجوابنا فيما يتعلق بسبب كثافتها خلال شهر رمضان هو تميز الشهر بالسهرات والاجتماع العائلي من جهة، ومن جهة أخرى تعلق الناس بالتدين أكثر ومحاولة التقرب أكثر إلى الله من خلال الحصريات التي لا تقع إلا خلال الشهر الفضيل، كليلة القدر والعتق من النار وكذا فضل الصوم من ترك للمحرمات وكذا المباحات التي في غير رمضان.

لو أتينا بنظرة شاملة للبرامج الدينية نجد فيها أنواع من بينها:

  • برامج للدعاة حيث تكون على شكل موعظة يقوم بها شيخ معين، ويتناول قضايا الفكر والعقيدة والمعاملات والعبادات، أو يتطرق للقصص التاريخية ويستلهم منها العبر والعظات.
  • برامج من خارج الأستوديوهات ومعظم روادها شباب، حيث يقوم على فكرة المقارنة بين واقع وآخر، أو محاولة زرع قيم كادت أن تختفي فينا، أو الاستفادة من تجارب في دول وشعوب معينة ومحاولة إسقاطها في المجتمعات الإسلامية.
  • المسابقات وهنا تنقسم لأنواع، فمسابقات رمضان فيها الربحية الخالصة التي لا يستفيد منها المشارك إلا من الناحية المادية دون فائدة علمية أو ثقافية. أو المسابقات القيمة المفيدة التي فيها النوعين، مع اختلاف العلماء في صحتها من بطلانها فلكل حالة حكمها ودلائل استناده.
  • الفيديو كليب تظهر طفرته جلية خلال الشهر في القنوات الإنشادية باختلاف الأسماء والمدارس فمنها ما يبرز ومنها ما يأخذ وقتا ويمضي دون تأثير وهذا ما يعود لمنتجه أو منشده أو الجهة القائمة به.

طبعا مع شكري الجزيل لكل من فكر في عمل إعلامي هادف ملتزم، لكن من باب النقد والنصح لا يمكن أن نقول نحن في القمة، فيلزمنا عمل وتكوين وتوجيه لبلوغ مستوى التأثير والدعوة إلى ديننا الحنيف وهو هدف كل إعلامي مسلم ذو رسالة.

ما يشد الاستغراب بعد هذا قيام القنوات المنحلة خلال العام بأغانيها وحصصها المائعة، بتخصيص مظهر خاص لها بشهر رمضان، وتقديم سهرات غناء وطرب على شرف رمضان، فأي دين هذا؟ وأي رمضان هذا؟ استوديو مرصع بالأضواء مزدان بالأفرشة أو الأثات الراقي، تستضيف مذيعة كاسية عارية فنانا يقضي لياليه الحمراء في كل مكان –أكرمكم الله -، تستضيفه ليحكي عن يومياته مع الصوم التعبّد في رمضان، ولا يستحي من شكر الله كثيرا على حب الناس له، كما يعبر عن امتنانه لأساتذته الذين علموه الرقص والغناء والميلان ويدعو لهم بالرحمة بأن لهم الفضل في المكانة الرفيعة التي وصل إليها !!، حقيقة أصبحنا لا نفهم، فهؤلاء كادوا يدخلون الشك فينا فيما نقوم به نحن لعلنا المخطئون وهم الصائبون؟

غريب جدا أن أجد المسلسلات الهابطة تظهر وتقوى شوكتها في رمضان؟ أليس الأجدر أن تختفي؟ ودون رجعة؟ المسلسلات المفيدة هي التاريخية أو التي تعبر عن شخصية خدمت العالم الإسلامي مثلا.

في نفس الموضوع أذكر أني هذه الأيام صدمت بقرارين، أولهما مهاجمة قناة منحلة متفسخة لبثها مسلسلا للنبي يوسف عليه السلام، هذا وعدم التجرأ على لومها أو مجرد الإشارة لها عندما تبث حصصها المغلفة بالانحلال وهي تقليد صارخ لحصص أوروبية بشكلها ومضمونها السلبي وليس الإيجابي على الأقل، وأغانيها وغوانيها تملأ الشاشة طول العام، يقول قائل أن الأنبياء لا يجوز تجسيدهم بشخص، ممكن هذه وجهة نظر محترمة جدا، ولكن أليس من الأجدر أن يكون اعتراضنا قبل ذلك على ما تبث تلك القناة من برامجها الفاسدة؟ فلنتصور إذا لم يبث المسلسل الديني وبثت مكانه حصة حضر فيها المغنيون والراقصون هل كنا نعترض كما اعترضنا في الأول؟ لا أظن، وهذا ما حدث سابقا.

المشكل أن اعتراضنا للأمور ليس عن قناعة ولكن عن تقليد ودوافع عاطفية، فقد رأيت بأم عيني شابا لا يصلي إلا نادرا – وهذا بشهادته- وهو يعترض على الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، من هنا فهمت أننا بعيدون جدا جدا… فلو بث الإعلام وبطريقة مدروسة أن تجسيد الأنبياء مشروع لرأينا كل الأنبياء يجسدون بصفة عادية، كما وقع في قضية الحجاب، فالإعلام ساق إلينا أن الأصل هو عدم التحجب، حتى اقتنعنا بذلك وصرنا نرى كثيرا المذيعة غير المتحجبة والمتزينة بكل أنواع الماكياجات تستغفر الله وتشكره وتدعوه، وتهنئ الناس بصومهم، وكأنها لم تقترف أي إثم، ولم تعمل أي أمر مخالف للدين.

القصة الثانية هي تناول الإعلام لصدور قرار من الأزهر الشريف بالسماح ببث الحلقة الأخيرة من مسلسل كذا وكذا، أولا تبادر لذهني سؤال، ما دخل الأزهر في المسلسلات حيث تبث أم لا؟ لكن سرعان ما قلت جميل جدا أن تعنى هيئة دينية بمراقبة ما يبث للمسلمين، فعلى الأقل ستختار لهم الأفضل وتسمح به، ثم صدمت بأمر ثان هو يعني أنه مسبقا قد تم الموافقة على باقي الحلقات إلا الأخيرة؟ وهل تلك الحلقات كانت صافية، هادفة؟ وخالية مما يخدش حياء أي شخص عاقل؟ الصورة الأولى لبطلة الفيلم عبارة عن راقصة مشهورة في محيطها كان لها الشرف في تتبع هيئة من الأزهر – حتى لا نظلمهم- لكل حلقات مسلسلها، -وربما مسلسلاتها-، لكن الإشكال كان في الحلقة الأخيرة فقط، فقد شاهدوها مرات ومرات ودققوا معها حتى سمحوا ببثها، حقيقة موضوع مضحك مبكي في نفس الوقت، فلو علم مؤسسو الأزهر أنه سيؤول لما عليه اليوم لما فعلوا ذلك، فهل سيأتي زمان يعود لك بريقك وقوتك يا أزهر؟

إعلامنا مازال يحبو وينتظر منا الكثير ليقف على رجليه، حتى إذا أتى شخص غربي لمعرفة أجواء رمضان في العالم الإسلامي لا يراه مجرد أفلام ومسلسلات وسهرات غناء فقط، ولكنه أعمق من ذلك بكثير، أين يرى ذلك؟ في قنواتنا القوية طبعا، فهل سنصل يوما لتكون لنا قناة ملتزمة هادفة وفوق كل ذلك قوية؟