في الحياة صنفان من البشر، قسم يضع المعايير وقسم يستهلكها، نخبة تقرّر النظريّات وبقيّة تُجرَى التجارب عليها، واختيار أحدنا من أيّ الفريقين يكون عائدا بالدرجة الأولى إليه، فإن عاش مفكّرا طموحا، صاحب قضيّة، فعّالا، ترك أثرا بعده، وصار مثالا يقتدى به، ومرجعا يُلجأ إليه، لكن كيف ذلك؟ ومن أين البداية؟

أوّلا علينا أن نعي ما يسمّى بحياة المعنى، وهي ألّا نكون على هامش الكون، أو مجرّد أصفار بعد الفاصلة، نعيش على فتات عقول غيرنا، وقشور اهتماماتهم، إنّما نحيا حاملي قضيّة ساعين لأجلها، ميدان فعلنا الأساس هو ما يدفع الفكر والعقل، لا ما يعالج إشكالات لا تغادر محور البطن فقط، أو يلبّي رغبات ماديّة ضيّقة دون سواها، ذلك مطلوب لكن ما بعدهما أرقى وأسمى.

مقياس السعادة الحقيقيّ في الحياة يتمثّل في تحقيق الجانبين، الروحيّ والماديّ، والروح هنا هو القضيّة، فأيّما إنسان يؤمن فعلا بغاية رضوان الله قد سلك نصف الطريق، فهو بذلك قد منح لحياته الروح وأضفى لها المعنى، لكن تلك الغاية لا تصلح قولا فقط، إنّما عملا، والعمل لأجلها يتطلّب العيش لقضايا أخرى كذلك تسمّى الرسالة، فالمرأة تعيش وهمّها صلاح أبنائها قضيّة ساميّة، والرجل يسعى في مجال عمله مجدّدا مقدّما مصلحة غيره على مصلحته قضيّة أيضا، والشباب حين يتعمّقون في تخصّصاتهم لنفع الإنسانيّة أو ما دونها، هم في جهاد وقضيّة وقد ارتقوا لمرتبة حياة المعنى، لا باحثين عن وظيفة تؤمّن لهم رغد العيش فقط ولو على حساب رسالتهم وغايتهم.

اسع أخي واسعي أختي لمنح حياتكما القيمة المضافة وهي المعنى، اسألا نفسيكما عن الغاية والرسالة باستمرار، ماذا قدّمتما في سبيلهما؟، تخرُجا بذلك من روتين الحياة القاتل، وتنالا بهما أعلى المراتب في الدنيا والآخرة.