يعلّمنا الزمن في حياتنا ما لا تلقنه لنا دروس المدارس، وما لا نقرأ عنه بين دفات الكتب ولا نجده في ألسنة الخطباء، ولا في برامج الإعلام، ومن بين هذه الدروس التي نعيش، نتعثر في تفاصيل بعضها لنخرج بعدها بشهادة امتياز إن أحسنا التصرف واستثمار الظروف، أو بشهادة مشاركة على أمل العودة مرة أخرى للمرور بنفس التجربة وربما بأقسى منها إن نحن لم نستغلها كفرصة في صالحنا، فنحول المحنة منحة تيسر لنا اجتياز قادم الاختبارات وهكذا…

ومن جملة الدروس التي يمر عليها أي منا، تقييم الناس والحكم عليهم من النظرة الأولى، أو ربما من السماع الأول، وأخذ تصور شامل عن أفكارهم وأخلاقهم وتصرفاتهم على نحو معين، ولكن بعد مدة يتبين العكس، فالأحسن منا يندم ويصحح مساره بالاعتذار للشخص المساء إليه بالحكم الجائر عليه دون تدقيق كاف، كما هناك من يتمادى في حكمه، فيرى أخاه بنظرة دونية لا يمكن له أن يرقى منها مهما فعل، فيؤطره بإطار مغلق مركب ومضاعف، وهنا مكمن الخلل، خاصة إن تجاوزت القضية مستوى الخلاف في الأفكار إلى درجة الشخصنة.

الحق واحد لا يتعدد، ولكن طرقه وسبله متشعبه، والأهداف البعيدة مشتركة بين أصحاب الحق في إطار وحدة الغاية، إلا أن الآليات تتعدد وتتغير، كل حسب اجتهاده وطريقة رؤيته للأمور، والحكيم منا من استلهم واستفاد من جهود غيره في سبيل تطوير أدائه مما وجده حسنا، وفي تصويب زلات محتملة مما يراه أمامه من الأخطاء في مسارات التجارب الموجودة، دون تكرار للأخطاء أو سقوط في مطبات طالما كان لومه بسببها لغيره ممن سبق.

الحكم على الناس وأفكارهم بطريقة عامة ليس من النباهة ولا الحكمة في شيء، والله خلق لنا حاسة السمع لننصت بها، وخلق لنا العقل لنميّز وندقّق بعدما ننصت، وإن أضفينا لمعاملاتنا تلك المسحة العميقة من أخلاق التواضع واللين والسماحة، وجدنا لأفكارنا قوة واتساعا في أوساطنا بتوفيق الله جل وعلا، لا بطلب منا ولا حرص، على حساب الإخلاص في النية.

الوقت ثمين، وأهم من أن نضيعه في الانتقاد لتلك التجربة أو تلك دون أن يكون الهدف نبيلا في سبيل عمل وبناء، لا مجرد وصف ومتعة حديث، وكم من عامل في صمت قد بلغ المبتغى، وكم من باك، وكم من مشتكي من سوء الأحوال لم يراوح مكانه، بل هو في تراجع تلو تراجع، وغيره يعمل به ما يشاء وقتما يشاء وكما يشاء، وسنن الله لا تحابي أحدا، ولن تجد لها تحويلا ولا تبديلا…

مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا