تصميم الشعارات (اللوغو) كما يصطلح عليها في مجال التصميم الفني، من أهمّ التجارب التي يمرّ عليها المصمّم في حياته الإبداعية، فغالب الأعمال التي تُطلب من جانب العملاء (الزبائن) نجدها تستلزم توفّره لتدرج فيها، كبطاقة الأعمال، واللافتة الإعلانية، والتغليف، ودليل المنتوجات (كتالوج)… إلخ

كما سبق الحديث في موضوع الهوية الفنية، فالشعار واجب وضروري لنا كأفراد أو مؤسسات، فهو الذي يقدّم صورة مبدئية عن مدى احترافية هذه المؤسسة أو تلك، وهو أول ما يتبادر للأذهان تقريبا عند ذكر علامة تجارية ما، وهو ما يوضع كتوقيع على الأعمال والإنجازات والمنتجات، ولأهميتها كانت هناك شركات عالمية تحميها من التقليد والاستعمال غير المشروع، فأصحابها يصرفون ميزانيات مهمّة لحمايتها، كيف لا وهي السّمعة والقيمة. (اطّلع على أغلى 500 لوغو في العالم لـ 2011م)

الشعارات أنواع وأشكال، فهناك شعارات طويلة المدى تتعلّق بشركات تجارية أو جمعيات خيرية أو منتوجات معيّنة، وهناك ماهو خاص بحدث عابر، مثل المؤتمرات والمهرجانات والمعارض وغيرها… أما مصمّموها فهم مدارس ومذاهب، لا توجد قواعد صارمة تضبطها كما للفن غالبا، إلا أن هناك خطوطا عريضة متعارفة لدى خبراء المجال، من المفترض لأي مصمم ألا يتعداها، مع ذلك نجد من يعتبرها ملزمة وهناك من يتجاهلها تماما، فيمكن أن تعجب ببعضها وتتقزّز من أخرى، لأن قرار اعتمادها يعود لظروف البيئة والمحيط والعادات والتقاليد والأعراف وغيرها.

مثلا نجد شعارات تحمل أشكال حيوانات، وأخرى إنسان، بعضها عبارة عن خطوط غير مفهومة لأول وهلة، وبعضها بالملاحظة الدقيقة تستخرج منها حروفا بمختلف اللغات، منها ما يرمز بسهولة، ومنها ما يكون معقدا لأبعد الحدود، المهم أن تتيقّن أن وراء كل شعار (لوغو) حكاية، وخلف كل لمسة فيه سرّ لا يعلمه إلا مصمّموه وبالتأكيد أصحابه.

تصميم الشعار لا يخضع لوقت محدد، فهو جملة أفكار تأتي كإلهام بعد القيام بخطوات معيّنة تختلف من مصمم لآخر، فيجدر على المصمّم أن يأتي للموضوع من جوانب لا يتفطّن لها أيّ كان، ويحاول معالجة الفكرة مما هو معقول ومما هو غير ذلك! في الأخير النتيجة تأتي غير متوقعة، ولكم في قصة شركة Apple مثلا بعض التوضيح مما أقصد.

أما عن تكلفة العمل فهذا أمر معقّد غالبا، كيف تقنع من يطلب منك شعارا، بسعر خيالي في نظره؟ لسان حاله يقول: أليس مجرد رسم بسيط بالفأرة أو القلم؟، والناتج في الأخير حرفين متلاصقين أحدهما مقلوب ربما؟ بلونين فقط؟ هي أمور يمكن لأي شخص أن يفعلها؟ هنا علينا الحديث عن قضية طول النفَس التي طرحتها في موضوع سابق، وإقناع الزبون بالفكرة أوّلا، وكيف أنها ليست بالشيء البسيط، أما ثاني الأشياء فهو استعمال ذلك الشعار، والمغزى منه، أليس هو أول ما يجذب عين من تودّ استهدافه إلى منتوجك؟ أليس هو من أهم ما تبني به شخصيتك في السوق؟، الشعار القويّ من مفاتيح نجاح العملية التسويقية، ألا يستحقّ من صاحبه أن يستثمر فيه مبلغا مهمّا!

نلاحظ أن عملية إنتاج الشعار ليست كباقي الأعمال، وإن كانت تتشابه في ظاهرها، هناك عليك تصميم أكثر من اقتراح، كل اقتراح بفكرة خاصة وأسلوب مغاير، هناك جهد وتفكير، المهم أن تجمع في الأخير أمرين، فكرة متفرّة غير مقلّدة، وشعار يعيش طويلا لا يملّ الناظر إليه باستمرار، ولأجل هذا أنصحك ببعض الأمور التي عليك الاهتمام بها:

  • إعطاء فرصة زمنية كافية، بقدر ما يكون لديك الوقت بقدم ما تكون فرص الإبداع أوفر وأكثر.
  • إجراء عصف ذهني وجمع أفكار واقتراحات بكل ما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الموضوع، وتقييدها في ورقة أو ملف نصّي.
  • إجراء بحث سريع في الأنترنت عن الشعارات ذات التخصص المشترك، والتأمّل فيها وفي الأفكار المعمولة بها.
  • محاولة نسيان الفكرة وإبعادها عن الاهتمام بعض الوقت، هنا تحسّ وكأن هناك رغبة ملحّة في ذهنك للعودة للموضوع، لا تستعجل سيأتيك الإلهام، وتأتيك فكرة لم تكن تتوقعها.
  • استعمال الورقة والقلم عوض الفأرة والشاشة عند إجراء التجارب الأولى، ثم نقل الفكرة للجهاز بعد ذلك، فخلال هذه العملية تجد أن هناك أفكارا جديدة تتبادر إليك.
  • اختيار الألوان يكون بعدما تجري عدة تجارب، وفي هذا حاول قدر المستطاع أن تقلّل منها وتجعل شعارك مفيدا وجميلا حتى بلون واحد أو لونين.
  • ضع الشعار الناتج أمامك بأحجام مختلفة، وانظر إليه من مسافات مختلفة أيضا، في الأخير حاول أن يكون التعرّف عليه سهلا إن كان صغير الحجم أو من مسافة بعيدة، في هذه الخطوة يمكنك طلب مساعدة شخص آخر.
  • ضع الزبون على اطّلاع بخطوات العمل، وفي كل مرة دعه يشاهد النتيجة مع إخباره بأن العمل لازال متواصلا، ذلك يجعله يعيش العملية، ويحترم مجهودك، أي تضعه في الصورة.

النتيجة في الأخير هي:

  1. الشعار باللونين الأسود والأبيض.
  2. الشعار بالألوان (إن كانت هناك ألوان).
  3. دليل الألوان المتوفّرة فيه ونسبها.
  4. جمع ذلك في ملف على شكل: PDF أو CDR أو Ai. ليتم استعماله من أي مصمم غيرك بسهولة عند الحاجة إليه من صاحبه.
  5. الشعار مطبوع في ورقة بأحجام مختلفة، وباللونين الأسود والأبيض، وبالألوان، وبالألوان السلبية Negative.

طبعا هذه الخطوات لا تكون دائما متاحة لنا، فالوقت أحيانا ليس في صالحنا، مما يجعلنا نضحّي ببعض المقاييس رغما عنّا، وهذا من سلبيات العمل التجاري الذي لا يحتكم دائما لذوق المصمّم نفسه، بل للعميل جزء من العملية، وقد سبق لنا الحديث عن الموضوع سابقا.

الشعارات مجالها رحب، تحتاج لبحث واسع، فكما قلت سابقا، نجد وراء كل شعار قصّة، حاول أن تكتشفها وتطالع عنها، فرغم أن المحتوى العربي نادر في هذا المجال إلا أن تجربة مدونة شعارات يمكنها أن تقدّم لك الكثير، أما إن كنت متقنا للغات أجنبية أخرى، فهذا من حظك لأنك ستكتشف خبايا وأسرار جديدة مستجدة، وتطالع قصص أكبر المصممين عندما يتناولون أعمالهم وإبداعاتهم.

هل لديك قصة مع شعار صمّمته؟ اذكرها هنا…

على الجانب عليّ أن أنوّه إلى مسابقة تنظّمها وزارة السياحة الجزائرية، لتصميم شعار معبّر عن السياحة بعنوان: “جودة السياحة الجزائرية” أنصحك بالمشاركة فيها وإن لم تفز، فالمهم هو الاحتكاك والتدرّب، والإنجازات العظيمة تولد صغيرة.