لكل وسيلة جديدة مرحلة من الاختبار والاكتشاف أول ظهورها، وتويتر كوسيلة تواصل اجتماعي برزت بشكل كبير مع طفرة التقنية وتسارع الحلول الذكية، حتى باتت ظاهرة وجبت دراستها مليّا، وضبط خيوطها جيدا، كي يحسن استعمالها وبالتالي استثمارها في ما يفيد.
أولا أشيد بجهود كبيرة قائمة حاليا في ملتقى المغردين الأول بدولة قطر، إذ كان السبب في كتابتي لهذه التدوينة، وإن تعذر عليّ حضور الحدث شخصيا، فأعتبر التدوينة مشاركة رمزية، الحدث ستجري فعالياته غدا الفاتح من شهر جوان بالمسرح الثقافي كتارا، من تنظيم بوابة الشرق بمناسبة مرور عام على تأسيسها، وبمشاركة إعلاميين كبار وكتاب ومثقفين عرب تحت شعار: نحو إعلام جديد هادف.
قبل الشروع في موضوع الأخلاقيات والضوابط، أحيلك عزيزي القارئ إلى تدوينة قديمة كنت قد كتبتها حول تويتر بعنوان [تويتر… خير الكلام ماقل ودل!] لمزيد من المعلومات حول محور موضوعنا اليوم، بعد التنبيه إلى تحديث ما جاء فيها من الأرقام، وهكذا هي مشاريع الويب الناجحة، تنمو كمتتاليات هندسية.
من خلال مسيرتي القصيرة مع تويتر ومشوار التغريد في مختلف المواضيع والقضايا وقفت على أنواع كثيرة من المغردين، وسجلت العديد من الملاحظات، كما تعلّمت الكثير من الدروس، مع أن أغلب هذا جاء نتيجة أخطاء وقعت فيها من سوء تقدير تارة، ومن قلة خبرة تارة أخرى، أهم ما في الأمر أنها دروس تنبّهني للتصرف بحكمة ودراية أكثر مستقبلا.
التويتر وسيلة إعلامية من أبرز ظواهر الإعلام الجديد كما اصطلح عليه في تخصص الإعلام، يتميز بعدة إيجابيات تجعله متفوقا على بدائله من وسائل إيصال الخبر أو تسويق المنتج أو بناء التصور حول قضية أو شيء ما، أو حتى مناقشة موضوع معين، إلا أن هذا التفوق يقابله إخفاق ومعايب كثيرة من الجهة الأخرى في بعض التفاصيل والزوايا، وبقدر ما بنى وشيّد، كذلك هدم وأحال عديد الصروح إلى أنقاض.
فمثلا حينما نتابع (Follow) شخصا ما، وهو في قيمته الإعلامية التسويقية نجما لامعا لا يشق له غبار، نجده إما يواصل تألقه بما يغرّد من فوائد وكنوز تزيد في رصيده وقيمته بين متابعيه، وإما من النوع الذي يحشر صيته وقيمته في كل مكان، ويستعمل نفوذه في غير مكانه فيغرّد ساخرا، أو متسرعا، بنفحة من التعالي يشعر بها أي متابع، وهذا ما يهدد به مكانته ويسقط سبعين خريفا، ففي الحقيقة ذاك أصله ومعدنه، والاستمرار والزمن كفيلان بإعطاء القيمة الحقيقية للإنسان، لأنه مهما قاوم وتكلّف فلن يصبر وسيعود لطبيعته حتما.
فمن الغريب أن تصدر هذه التصرفات من عامة الناس ولكن الأغرب أن تأتي من خاصتهم ومن هو في مقام علي، فلنحذر الغرور والعجب، ولنتحرّ التواضع وحسن الإنصات، وليس هذا أن يكون الإنسان متزمتا منغلقا جادا لأبعد الحدود في تغريداته، إنما هناك مستوى من المزاح، وقدر من النكتة، دون المساس بشرف الآخرين ولا الحط من قيمتهم.
نقطة أخرى مما وجب التنبيه إليه في عالم التغريد هي التعامل مع القضايا الآنية والمستجدات، إذ غالبا ما تكون مرفقة بهاشتاق Hashtag (*) يضمن تجمع الأفكار وسهولة التعامل مع مناقشة وإثراء الموضوع، إلا أن المؤسف هو نوع هذه القضايا، إذ كثيرا ما كان منحطا دون المستوى، ويلقى التفاعل الكبير، حتى أني أجزم أن العلاقة عكسية بين سمو المستوى للقضية المطروحة وبين عدد المتابعين والمناقشين والمهتمين، فكلما نزل الأول ارتفع الثاني وهكذا…
هو واقع مرير حاليا، يجعلني أحتار وأجزع بشكل أكبر حينما يتدخل في تلك القضايا ويزيدها غرقا على غرق وظلمات على ظلمات من نحسب فيهم خيرا، ونأمل منهم أن يكونوا هم من يرفع المستوى، إلا أنهم بتصرفهم بجرون معهم أكواما من الأتباع والمتحمسن المتأثرين، فاختر القضايا التي تسهم فيها وتثريها مما فيه فائدة لك ولتخصصك واهتماماتك، ولا تشتت ذهنك بالصبيانيات ولا بما هو خارج دائرة اهتماماتك وفعاليتك أصلا.
أضيف أمرا آخر ضروريا مما يجب ألا يخفى على مستخدم تويتر، كشراء المتابعين الوهميين، وهي ظاهرة مرضية كثيرا ما سقط فيها العديد من أصحاب العدّادات الكبيرة في التويتر، فلا تنخذع بالعدد إنما قيمة التغريدات والفائدة منها هي الأصل، كما أني أنصح بتأليف المحتوى وعدم الاكتفاء بإعادة التغريد فقط (رتويت) وإن كان الحال هكذا في البدايات فليكن مؤقتا لحين التمرس، لا حالة دائمة تجعل منك مجرد مرجع للصدى.
التويتر بحر غامر، وفرصة لبناء شخصيته كناقد وملاحظ، فأنت مراقب من متابعيك الحاليين أو المحتملين حين تدلي بدلوك، وتقدم رأيك، ومجموع تغريداتك يرسم قيمتك وصورتك، فلتدعها طبيعية غير متكلفة، اعتذر حينما تخطئ، ودع عنك الملاسنات، تنازل وتعامل بحكمة حينما تكون الضحية، كن يقظا، ولا تنجر وراء الحملات والادعاءات دون تحليل للواقع، اختر من تتابع ممن سيضيف ويزيد فيك، كن هادئا مجسدا لمفهوم التغريد بحق، وتجنب استعمال النهيق أو النقيق أو حتى الزئير، فلا مكان في تويتر إلا للتغريد!!
على الجانب: أدعم مبادرة هذا الملتقى وأباركها والمتمثلة في إطلاق “دليل أخلاقيات استخدام تويتر”
—————–
(*) هي كلمة مسبوقة برمز # للدلالة على موضوع موحد يتم التفاعل معه في تويتر.
** حسابي في تويتر: djaberhadboune@
Comment (1)
مشكور أخي جابر على هذه التدوينة , وجزاك الله عنا خير الجزاء , مواضيع متميزة دوما
دمة في خدمة الصالح العام