وأنا في طريقي مرة ثانية إلى “أغلان” بعد سويعات من وصولي إلى العاصمة وفيها بلغني نعي جدتي رحمها الله، وقد شاء الله أن تلتحق بزوجها “جدي باحمد” رحمه الله بعد 25 عاما بالتمام والكمال..

حاولت استجماع حروفي وكتابة هذه الكلمات الارتجالية.. غير مستوعب للموقف جيدا بعد.. وكيف لقلبي المفجوع أن يدرك ما حدث والخطب جلل..

لكل منا قصته مع جدته، ولكل ذكرياته.. وجدتي ممن أحسبني محظوظا جدا برفقتها، أحببتها كما أحبها كل من عايشها من أبناء وبنات، من حفدة وحفيدات.. من معاشرين ومعاشرات.. هي شخصية نادرة ينجذب إليها بسحر أخلاقها وإحسانها كل من عرفها.. هي من كان العمر عندها مجرد رقم.. بينما كانت يافعة شابة طيلة حياتها..

جدتي كانت لنا نعم الأنيس في لحظات التعب، ونعم الحكيم في مواقف الاختيار، ونعم السند أوان الضعف والحاجة.. أحببناها لجمال روحها وخفة ظلها.. وأحبتنا واحتوتنا جميعا على علاتنا وتنوع طباعنا وطبائعنا وأعمارنا.. لم تفرق يوما بيننا ولم تشعرنا إلا بدفء حضنها كلما هرعنا إليها.. نذهب إليها بهمومنا وماهي سوى لحظات إلا وينقلب المزاج همة وأملا… لا يمل جليسها ولا يُسأم مجلسها..

تميزت مجالسها بالمتعة وقد كانت تتحفنا فيها ببركات “ألّاون” فتسترسل ناصحة متفائلة موجهة مبشرة بين ثنايا وصفها وهي تمسك وتقلب “حظ صاحبه” في يدها.. تحب الفرح ومظاهره وتكره الحزن والتزمت وكل ما يؤدي إليه.. وإذا سألناها بعد كل حفلة حضرتها عن رأيها.. قالت: “تيف لافيزيت نوطبيب”

قلبها الصافي.. لسانها الذاكر الذي يقطر عسلا.. وجهها المشرق المبتسم دائما.. يدها السخية الكريمة.. دعواتها الغزيرة اللذيذة.. نصائحها الغالية الصادقة.. تشجيعها الملهم.. تحفيزها الفعال.. ستبقى دروسا راسخة.. وقيما أصيلة.. وقصصا تروى لأبنائنا وأحفادنا..

لا أدري كيف سنصبر ونعتاد على عدم تمكننا من زيارتك كلما نعود من السفر وكلنا شوق واشتياق.. كيف ستمر مناسباتنا العائلية من دونك.. كيف ستبدو أعيادنا.. أعراسنا.. أفراحنا..؟

أتقدم بالتعازي الخالصة لوالدي الحبيب وهو أول أبنائها.. وإلى أعمامي وعماتي.. وإلى أخوالنا.. وكل الحفدة وقد تجاوز عددنا المائة بين ذكر وأنثى.. بين حيّ ومن قد توفي رحمهم الله..

وأقدر كثيرا وأشكر نيابة عن كل العائلة كل من ساهم في تخفيف لوعة الفراق.. وشدة الصدمة.. وألم الحزن.. برسالة أو اتصال.. لا أراكم الله حزنا ولا ألما في أحبابكم..

دعواتكم لجدتي بالرحمة والمغفرة