اهتز العالم فجأة على وقع نكبة أخرى تضاف لعشرات النكبات التي يعيشها إنسان هذا الزمن يوميا لحد التعود والإلف، لا يمكنني الحكم سريعا باختلاف هذا الزمن عن سابقه وما سيأتي بعده، لقلة زادي ولانهيار ثقتي بحاملي الأخبار وناقلي الروايات.. إلا أنني أحاول معالجة القضية من زاوية غير التي شاعت في وسائل الإعلام الخفيفة والثقيلة.
مقتل الصحفي جمال بتلك الطريقة الغبية وبيد دولة طالما كانت حلم المسلمين وأرض البركات والرسالات، وتبرير الحادثة المؤسفة بذلك الأسلوب المفضوح من رجال اللحى المتدلية بعدما نافسوا الأنبياء في القداسة والظهور بثوب الطهر ونقاوة الإيمان مراهنين على أصواتهم تارة، وعلى قربهم من البيت الحرام تارة أخرى لينصبوا أنفسهم في مرتبة تفوق كل نقد ومساءلة واستفسار، محذرين كل من يقترب من لحومهم بسم قاتل، ومن لم يقتله السم فليجرب المنشار.
تعددت الروايات الإعلامية ولا تزال، واستغلت القضية سياسيا في تصفية حسابات بين أنظمة حكم هنا وهناك، صرنا نعيش استقطابا حادا بين موالين مبررين، وناقمين متحاملين، دون نسيان طرف ثالث يلبس ثوب الحياد إلا أنه لم يستطع التخلص من انتقائيته واستغلاله للقضية لأغراض بعيدة عن كل إنسانية أو ضمير.
هذه التفاصيل وغيرها، جعلت جيلا من الشباب ينصدم من هول الانفصام وغياب المنطق وتراكم الأسئلة حول مدى مصداقية التراث الديني وصدقية الروايات التاريخية لمختلف الجرعات الفكرية التي رسمت قناعاته وتصوراته لنفسه ولغيره كشخص ومجتمع وثقافة وديانة.
لا أعتقد أن الحادثة ستمر بسلام على الوعي الفردي والجمعي لشباب هذا العصر خصوصا ولكل الأجيال كذلك، في ظل ما يحدث أمامه من براهين عقلية مباشرة، في عدم القدرة على الوصول للمعلومة الدقيقة رغم حداثتها ورغم الوسائل المتاحة بتقنية عالية مقارنة بما امتلك الأجداد والغابرون، وباهتزاز وسقوط القدوات والنماذج الدينية تباعا بعدما تأخذ حظا وافرا من البريق والالتفاف والاهتمام لتجد نفسها ملطخة بوحل السياسيين وفخ التزلف والتقرب المصلحي الساذج.
الخطير في هذا أن تأثير هذه الأحداث والحوادث سوف لن يتوقف في سؤال مصداقية الرواية التاريخية وحقيقة كتب السنّة بما يحوم حولها من تشكيك واختبار على مقياس العقل، بل سيتعداه لما هو أبعد من ذلك، وهنا من يتحمل مسؤولية موجات الإلحاد والجرأة على القرآن الكريم فضلا عن مهرجي الفضائيات ومراهقي التويتر والفيسبوك ممن تسلقوا المنابر وقدموا أنفسهم دعاة يفيضون ورعا يتلألأ من وجوههم شعاع الإيمان ونور التقوى؟
خريطة التدين والانتماء والعلاقات في تشكل جديد، الكثير من الأفكار التي عمرت لقرون تعيد تغيير قشرتها بسرعة مؤخرا… ترى أين ستصل الأمور مستقبلا؟
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه… ياارب