تنشر الكثير من الأحداث والأخبار في جرائدنا الوطنية، فمنها ما يترك أثرا ومنها ما لا يبدو منه الجديد المثير، فالإثارة طعم الصحيفة ووقودها لمواصلة الصدور يوما آخر، الأكيد أن كل من يتصفح الجرائد يحس بإثارة ذلك الخبر، وطرافة ذاك، وسخافة آخر، كما لا ننكر أنه يوجد محتوى قيّم مفيد يحتاج للتحية والإكبار.
أسعى للكتابة هنا حول ما هو غير عادي، فالعادي ليس لي من ورائه اعتراض وهو الأصل فيه، لذا فمن جملة الأخبار التي جمعت صفات كالطرافة والغرابة والمثير للضحك والسخرية والشقفة في نفس الوقت! والغريب من كل ذلك أن تتناوله الجرائد بتضارب صارخ، فمنها ما اعتبرته مضحكا ومنها ما اعتبرته جديرا بالحزن والتأييد والوقوف مع أبطاله.
أولا عليّ أن أشرح العنوان لمن لا يعرف معنى كلمة “حراقة” بثلاث نقاط فوق القاف حيث تنطق (G) وهذا المصطلح منتشر في المغرب العربي، ومعناه الهجرة لبلاد أخرى بطريقة غير شرعية، كأن يدخل الشخص دولة بتأشيرة قصيرة المدى ثم يبقى هناك حتى بعد انتهاء صلاحيتها، أو يدخل أراضي تلك الدولة بدون تأشيرة أصلا.
أما عن الخبر ففي مجمله ليس جديدا، فهو عن الهجرة التي يرمي إليها شباب الجزائر كغيره من دول الجوار وأبناء القارة الواحدة، كما أن الظاهرة موجودة في مناطق أخرى من العالم، باختصار الهجرة من المكان الأقل شروطا للحياة إلى العالم الآخر الجديد المتطور المقدّر لقيمة البشر، المحترم للكفاءة، أو كما يصفه محبو الهجرة الشرعية وغير الشرعية، جوا أو بحرا، مشيا أو حبوا، على كل حال المهم الوصول للهدف!
الهجرة في ما اعتدنا عليها والتي نتأسف حولها تكون للأدمغة، والكفاءات التي تصنف في الجزائر بآخر المراتب، فيما تمنح لها في بلاد أخرى أرقى الظروف وأفضل المراتب، هذه الهجرة التي تؤرق من بيده الموضوع، وتجعله يسهر ويفكر في ثني أولئك عن فكرة ترك الوطن والتوجه للوطن الآخر بعدما يشتد عودهم وتستثمر فيهم بلادهم من خيراتها كما تركّب لهم كل أنواع السراطانات والأمراض العقلية والصحية حينما يصطدمون بواقع العمل وحياة الشغل.
وإذا جئنا للدكتور والأستاذ والمهندس المهاجر لنسأله عن تلك الحال، وعن سبب ترك الوطن، قال بملئ فيه: تركت الدولة ليعبث فيها الرقّاصون والمغنّون وأصحاب الكروش، والبطون، ومن ذلك كل همّه، هذه القصة التي تحدث دائما، نعم فعلا فدولتنا تمجّد مواهب القدم، واليد، والبطن، وغيره مما لا يمكن ذكره هنا لرقي المقام، لذا فرأيي في من يرحل لذلك الأمر أقول له: إن كانت لديك فرصة فارحل، ولا تنتظر شيئا، لأنك حتى وإن أطلت الغربة فستعود لموطنك وتفيده بل يمكنك فعل ذلك من مهجرك.
أعود للخبر الغريب الذي بدأت به موضوعي، هو أن يفكر من تركت لهم البلاد أنفسهم في الهجرة و”الحرقة”، نعم فأصحاب “الشطيح والرديح” أنفسهم هربوا من الجزائر، وبكوا وأطالوا البكاء في الصحافة قبل أن يعودوا، مهدّدين بتكرار التجربة مرة أخرى، هؤلاء “حرقوا” بمال الدولة أيضا وليس بما جمعوا من عرق الجبين كما يفعل أقرانهم، ففي سفرية “خالصة” ومدفوعة كل المصاريف من وزارة الرقص “الثقافة” الحلوب إلى كندا للاحتفاء بعيد الثورة المجيدة، بعدما جابوا العديد من الدول سابقا والتي لم تستهويهم ليمكثوا فيها.
“حرقة” هؤلاء كانت مما يمكن أن أصفه “خمس نجوم” لأنهم أولا لم يبذلوا جهدا كبيرا في عملهم سوى أنهم هزوا وسطهم، ثم إنهم لم يجمعوا الأورو أو الدولار بل كانوا مدعمين من وزارة السيدة خليدة، ثم كذلك اختاروا الدولة التي يهربون فيها اختيارا دقيقا، فبعدما كانت لهم زيارات سابقة لبقاع أخرى اختاروا كندا، كما أن هناك عامل آخر هو طلب اللجوء السياسي هناك، أي لم يختبؤوا كما يفعل نوع من الحراقة، بل أشهروا أنفسهم وطلبوا علانية اللجوء من السلطات الكندية، وأخير بعد كل الضجة التي فعلوها، هددوا بتكرار التجربة الشيقة مرة أخرى، ولم يفعلوا ذلك لولا أنهم ضمنوا سفريات خالصة أخرى على ظهر الجزائر وإلى دول جديدة.
نعم فدولتنا ستقف خلفك وتدعمك إذا كنت ممن يجيد الرقص، أو يتفنن النعيق والنهيق، أما إن وجدوا في صوتك موهبة المواء والنباح فأنت سيحجز لك في الدرجة الأولى، وإن كنت ممن يعرف فنون الكرة ومداعبتها أو تجيد لعبة أخرى فأنت في درجة رجال الأعمال أيضا، وستقدّم لك شركات الطيران بطاقات Gold Membership كون الوزارة أبرمت معهم عقدا طويل الأجل لأجلك، حتى تصرّح يوما في الصحافة بكونك تعبت من الأسفار وحان وقت العائلة والمكوث في الدوّار!
فيما يبحث الأستاذ والباحث عن فرصة ضمان وثيقة ممضاة فقط ولم نصل لحد تغطية المصاريف لتمثيل بلاده في ملتقى دولي، فيتعبه ويعبث به موظّف في عمر ابنه ربما، ويرهقه بصعود ونزول الدرج إلى أن يملّ ويرسل رسالة اعتذار للجنة المنظمة يخبرهم فيها بعدم قدرته المشاركة كونه لم يحصل على وثيقة بسيطة.
استغرابي هو تفكير الكفاءات العلمية وأبطال الرياضة ثم محترفو الرقص في الهجرة، فمن يبقى في الوطن؟ وهل المشكلة إلى هذه الدرجة حتى يفكر الكل في الهرب؟
حول الموضوع: جريدة الشروق اليومي
Comments (5)
موضوع في الصميم فقط الثلاث نقاط فوق القاف وليس الحاء وكلمة مطصلح الصحيح مصطلح والكثير اخي من الاخطاء ارجوا احترام اللغة اكثر وبارك الله فيك .
شكرا أخي على الملاحظتين، ومعذرة على عدم احترام اللغة! أرجو منك أخي تنبيهي للأخطاء الكثيرة التي رأيتها.
أتشرف بأمثالك ممن يقدمون ملاحظات دقيقة!
السلام عليكم
اولا لم اسمع انهم عادوا ، هل فعلا عادوا ؟؟
ثانيا من جهتي اخي جابر ، تعاطفت معهم الى ابعد حد ، فبالله عليك من
تجد عنده الشجاعة ليترك زوجته الحامل في شهرها السادس و يحرg في بلاد الناس
من تجد عنه الشجاعة ليترك ولده الرضيع و زوجته المسكينة و يحرg في بلاد الغربة
و صراحة كما قالوا 14 الف دينار لا تكفي للحياة الكريمة ، ولو انهم راقصوا بالي
لا يهمني ما يفعلون ، المهم يحاولون إيجاد لقمة العيش ، برايي بقائهم هناك افضل لهم
لعل السلطات هناك ترثى لحالهم و تعطيهم صفة اللاجئين السياسيين فيضمنوا لأولادهم
مستقبلا ما على الأقل ،
صحيح كل هذا يلام على الدولة اولا لأنها نقود الشعب تصرف فيما لا فائدة منهم
ثم اللوم على لالا خليدة ، التي لا اكن لا اي احترام بتاتا ، فهي مغرمة بالحفلات و الرقصات
و إقامة اليالي الملاح ، لو كنت مكانهم لما عدت ، ولو كنت حتى في إطار بعثة طلابية
اتحدى اي شخص ، اي طالب جامعي ، يرسل في بعثة الى الخارج و لنقل الى كندا ليتطابق
المثال جيدا ، اتحداك إذا عاد منهم واحد ، على الأقل 90 % منهم سيبقون هناك
كل يوم نستيقظ على خير هجرة 50 شخص بطريقة سرية ، و منهم 20 طالب جامعي ،
و 20 متخرج من الجامعة بدبلوم ، و 10 أساتذة او اناس عاديين
فالله عليك هل نلقي اللوم عليهم ام على دولتهم ؟ فلو وجدوا الحياة الكريمة في بلدهم ما تركوه
اعذرني على الشدة في الكلام فالألم عندي مضاعف لأني اعيشه يوميا ،
تحياتي الخالصة و شكري الكبير لك على تناولك الموضوع و إثارة النقاتش حوله ، و عذرا على الإطالة
للأسف هذا حال جزائرنا التي تهب المتمكن كل الوسائل حتى للهرب الى بلاد اخرى و في نفس الوقت تحرم الضعيف حتى من ابسط الحقوق.
بارك الله فيك
في نفس سياق الموضوع… http://www.elkhabar.com/ar/index.php?news=235966