في أوقات الرخاء -عادة- لا تظهر أخلاق الناس جليّا، فيمتزج الصادق والمتصنّع على صعيد واحد، ويستويان على نفس المقام، يسهل التعامل وتتيسّر العلاقات حتّى نعتقد أنّ كلّ شيء على ما يرام، لكن ما يختبر معادن الناس فعلا هو ضيق الظروف، وظهور بوادر الأزمات، فتجد النفسُ فرصة للتأليب ودفع صاحبها للتصرّف والتدخّل السريع، أمّا الشيطان فتلك الأجواء ملعبه المفضّل.
من أرقى الدرجات أن يكون الإنسان سليم القلب، لا يحمل حقدا لأحد، إلّا أنّه ولكونه إنسانا فأحيانا يخدش مرآة قلبه الصافية بجملة من الظنون والشكوك، لا تعدو أن تكون منبيّة على أسس هشّة، تغذّيها وتنمّيها منطلقات نفسيّة خالصة، وأحيانا إملاءات خارجيّة سيّئة، يشوبها التسرّع عادة، وكلّ ذلك لفوات شيء من أغراض الدنيا ومتاعها.
ننصح أنفسنا ونذكّرها بعدم التسرّع في مواطن عدّة، لعلمنا بنتائجها الكارثيّة دائما، ومن أبرز تلك الانعكاسات وقوعنا في فخّ سوء الظنّ، ومنه نبني تصرّفات ومواقف لا تطول حتّى تهوي، وهناك فقط تظهر معادننا، وتنكشف طباعنا، وتبدو طبيعتنا وعفويّتنا.
لنحسن الظنّ بأنفسنا، ومن حولنا، وأعظم من ذلك خالقنا عزّ وجلّ، وهو القائل عزّ من قائل: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا” (الإسراء 53).
حسن الظنّ يجعل بيننا وبين زلّاتنا خندقا ومجالا رحبا يمنع عنّا الوقوع فيها، فلنعوّد أنفسنا عليه، ولنهذّبها به، نلتمس لغيرنا أعذارا، ونتّهم تقصيرنا أوّلا، فتلك أولى الدرجات لفلاحنا دنيا وأخرى.