ينمو جسد الإنسان باعتنائه بغذائه، فهو يضع لنفسه برنامجا غذائيا تفرضه عاداته حينا بعدد معين من الوجبات يوميا، وتدفعه إليه حاجته حينا آخر من الطعام دفعا للجوع وتفاديا له، ونفس الوضع مع الهواء الذي يتنفس فبقدر ما هي عملية آلية عفوية نجده لا يلقي لها اهتماما كبيرا.

للإنسان أكثر من حاجة بيولوجية يلبي بها رغباته ويوفر بها نوعا من الاكتفاء لممارسة واجباته والتزاماته في الحياة بأداء أفضل، فماذا عن العقل؟ كيف يشحنه؟ وبماذا؟ فهو دائم التفكير، وفي حاجة متواصلة لآليات التحليل والتفكيك وإعادة التركيب بشكل ذاتي وسريع.

مدخلات العقل عديدة وكما أن هناك ما هو فعال منتج، نجد كذلك ما يؤدي لتنميطه وإفشال قدراته وحتى تعطيله عن التفكير ليصبح مستهلكا خاملا ينتظر التعليمات والإشارات ليقرر كردّات فعل متوقعة من سلطة فكرية أعلى منه، تتمثل عادة في وسائل الإعلام قديمها وحديثها.

الكتاب هو أهم وسيلة فعالة لتحقيق الحرية الفكرية، يسافر بصاحبه عبر التجارب البشرية تاريخيا وجغرافيا، به يضع آليات التحليل ليهذب تصوراته ويوفر لها الصيانة والتحديث باستمرار، وبه يدرك أكثر ما حوله ويبني وعيا ذهنيا متزايدا يقلل به أخطائه ويعزز تجارب الحياة وخبراتها دون الوقوع فيها شخصيا.