يتفاعل الإنسان مع مختلف علاقاته بآرائه ويبني أحكامه بناء على قناعات يكتسبها باطلاعه واعتباره من غيره تارة، وبمواقفه وما يعترضه من اختبارات حقيقية تارة أخرى، وبكل تلك المتغيرات يطفو للسطح مفهومان يتداولهما الناس هما الوسطية والتطرف.
هل الوسطية نقطة أم مجال؟ هل هي درجة يبلغها صاحبها أم أسلوب يرتقي به ويتفاعل؟ الادعاء أبسط من التمثل فعلا، والكثير من المفاهيم اللطيفة تصبح شعارات يزين بها صاحبها خطاباته، ويرمي غيره بما هو أدنى وأسوأ، فما المعيار؟ وما هي المؤشرات لصدق ذلك الادعاء أو كذبه؟
كثيرا ما ترتبط الوسطية بالقوة والسلطة والشائع، فصاحبها يضع نفسه موضع المركز ويصف مقامه بالوسطية، يصنف من يخالفه في خانة التطرف ويضع المسافة انطلاقا من عرشه، والإنسان بطبعه يريحه الوهم وتزعجه الحقيقة، إلا من كان منصفا متفهما فسيعيد النظر ويفكر من جديد.
وسطية الفكر تنتج اعتدال الفعل، فالأول يترجمه الثاني وتختبره المواقف والتعامل مع اختلاف الآراء والرؤى، فما إن يتفوق الإنسان في أخلاقه، ويسلم غيره من لسانه ويده، ويكف عنهم ظلمه وأذاه فقد حاز وسام الوسطية ونال صفة الاعتدال واستحقها، يبقى التحدي الأكبر في المحافظة عليها.