يختار بعض الناس أن تكون حياتهم كتابا مفتوحا، ويرى غيرهم ذلك خطأ في تقدير العواقب فهم يفضلون إخفاء كل شيء يعبر عنهم، ويتوجسون من كل ما قد يكشف جانبا من شخصياتهم وقناعاتهم وأفكارهم، يعيشون في منطقة الدفاع والترقب دائما.
ربما كان هذا متاحا فيما سبق، قبل أن تظهر العديد من التقنيات كشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام عموما، فقد شوّهت مفهوم الخصوصية وصار مهددا، وقد تجاوز قدرة الإنسان وتحكمه وانفلت من سيطرته، إذ لا يكفي حاليا أن يقرر شخص أو مجتمع بإرادته الإقدام أو التحفظ وحتى المغزى في كشف خصوصيته ووضعها تحت التصرف.
لكل إنسان مساحته من الخصوصية تقل درجة سريتها وتعلو لديه حسب الثقة في الطرف الآخر، فالمغترب مثلا أكثر استعدادا وقابلية للإفصاح عن أفكاره ورغباته بسبب تحرره من القيود الاجتماعية التي قد تعيقه وتفرض عليه نوعا من الرقابة والمساءلة.
الحكيم من رسم حدود خصوصيته وأدرك متى وكيف وأين يحتفظ أو يفصح عنها، وهو ملزم كذلك بمراعاة خصوصية من حوله دون ضغط ولا وصاية للتنازل أو الكشف عنها، فحرية الإنسان تكمن في إدارة نفسه إدارة راشدة واعية.