بحلول مناسبة عيد المعلم، وبعد أيام من دخول بنتاي المدرسة وما حملته اللحظات من شوق واشتياق لمدرستهما ونفحات مرت علي كنسمة لطيفة من الماضي الجميل أيام كنت طفلا مثلهما..
ومع اقتراب مناسبة معرض الكتاب وما تحويه من بيئة خصبة وإشعاع علمي وجو ثقافي رائع، تتخلله لقاءات وحوارات وجولات بين أروقة الكتب الممتدة، وزيارات لأجنحة دور النشر المضيافة..
يتملكني شعور متناقض، ويغمرني إحساس بالغربة والحيرة.. هي مفارقة الشوق للهدوء المعرفي الرصين.. مع العيش قسرا في ضوضاء الأحداث المتسارعة، وضجيج خط الزمن الحقيقي والافتراضي في مختلف منصات التواصل الاجتماعي.. وضع أفرز نصف الحلول، ونصف التفسيرات، ونصف التحليلات، ونصف القراءات.. والكثير الكثير من العبث الفكري والشغب المعرفي..
هل كتب على إنسان هذا العصر العيش في مضمار التسابق نحو المعلومة وجمع أكبر قدر منها دون النظر في أصلها، والتأمل في أساسها، والتفكر في خلفياتها، والتركيز على مآلات تبنيها وامتثالها؟
في كل زيارة لي لعواصم العالم المتقدم مما زرت.. أجدني ممن يقف صامتا خاشعا أمام هيبة سكون المكتبات مع وجود الآلاف من القراء والباحثين فيها.. الكل منكب على كتابه وقلمه ودفتره.. يغوص عميقا.. يفكك ويحلل ويستنتج وينتج..
مؤسف جدا أن يرى إلى كل ذلك شخص غارق في أوحال تخلفه بعين باردة، وقلب ميت، واصفا المشهد ممازحا بأنه مجرد صيحة في واد، أو نفخة في رماد..