منذ سنوات ومع أولى رحلاتي إلى تركيا، لفت انتباهي تردد ذلك الاسم في بعض اللافتات والتظاهرات الثقافية وحتى الجوائز والمسابقات، وعندما استفسرت، وجدته أديبا شاعرا قاضيا متصوفا عاش قبل حوالي سبعة قرون..

مؤخرا وقبل بضعة أسابيع مرت علي معلقة إعلانية لمسلسل تركي تاريخي بعنوان “يونس إمره.. رحلة الحب” تملكني بعض الفضول لألقي عليه نظرة، خاصة وقد أسرتني الموسيقى التصويرية التي استخدمت فيه، وتناغمت وانسجمت مع مزاجي في تلك الفترة..

بعد مشاهدتي لبعض الحلقات منه وجدته رائعا ممتعا بما حواه من مواقف وحوارات ومعالجة درامية عميقة لإشكالية أعيش تفاصيلها مؤخرا وأسئلة ملحة تأبى أن تغادر ذهني.. علاقة السلطة الدينية العرفية بالسلطة السياسية الإدارية على ضوء الحراك وما سبقه، من يمسك زمام الأمر؟ كيف؟ لماذا؟ متى وكيف يتنازل أحدهما للآخر؟ كيف يؤثران في المجتمعات، ويتنافسان على الصدارة والوجاهة والقيادة..

لم يخل المسلسل من قصة حب بين ثناياه ليزيد من وتيرة التفاعل والتعلق كنكهة تسم الأعمال الفنية التركية، وتميز عالم التصوف الذي يتخذ العشق الإلهي والتسامي الروحي محورا ومركزا، مع بيئة اجتماعية محافظة مبنية على الكثير من الأصول المتجذرة والأعراف الراسخة، والعادات والتقاليد المتراكمة..

الإيقاع البطيء للمسلسل وجمالية الصورة التي ميزته أضفت عليه مساحة كافية للتأمل والتفاعل مع أحداثه، وقد ظهرت براعة كتاب السيناريو في نقل الإثارة من طرف لآخر بشكل انسيابي سلس، وإرغام المتابع على الاندماج فيه بالتعاطف والتضامن تارة، وكذا التحامل والانزعاج تارة أخرى مما يرى ويشاهد..

أمثال هذه الأعمال تستحق المشاهدة لمن يأتيها حاملا في ذهنه إشكالاته وأسئلته ليسقط ما فيها على واقع ما يعيش، حينها سيجد أن السنن الكونية لا تتبدل، والقضايا الإنسانية نفسها ولو تغير الزمان والمكان.. الذكي الحكيم من استقى منها ما ينير له طريقه نحو فهم الظواهر وفك رموزها وحل ألغازها..