للحرية اتجاهات وجرعات تترجمها علاقات الإنسان، فبين من يعتبرها حقا مهضوما وجب عليه خوض معارك كسر الأغلال لاسترداده، وآخر ينظر للمسألة من باب الخضوع لسلطة معنوية تمنعه من مجرد التفكير في الكلمة فضلا عن مفهومها.
الدقة في تفسير الحرية كمصطلح يتطلب جهدا معتبرا لتفكيكه وإعادة تركيبه بشكل محكم يستجيب لحاجة الإنسان منه ويقلل من تأثير الأعراض الجانبية الناتجة عن سوء استخدامه، كأن يعتقد بأن هناك سقفا لا يمكنه تجاوزه والمناورة فيه كالإيمان بالغيب، وإن غامر وفعل فإنه سيدخل متاهات فكرية أخرى لا مخرج منها.
مثلا لو نتأمل قليلا سنجد أن الإنسان في بدايات حياته يكون تصوره عن الحرية مرتكزا على الأشياء من حوله، ولكنه ما إن يكبر ويرشد ويزداد ثقلا بالتجارب وصقلا باختبارات الحياة فإن حريته ترتقي لدرجة الأفكار، والفارق أن الأول تقيده أفكار أقوى منه، والثاني يختار أشياءه المنعكسة كصورة للأفكار التي اختارها بممارسة حريته.
الإشكال يبقى في ذهنية الانتقائية التي يميل إليها الإنسان المتحرر من القيم والأخلاق، فينفرط عقده في تفسير الظواهر من حوله ليسخرها فيما يخدم مصالحه ويلبي بشكل أفضل متعته ويسكت نوعا ما ضميره، وهي عادة حرية يراها صائبة في اتجاه واحد فقط لا يقبل أن تمارس ضده.