مضت حوالي 3 سنوات منذ آخر رسالة لي إليكِ هنا، (تلك الرسالة) التي حملت معها ما حملت من أفكار وأحاسيس وعواطف يعلم الله كم كانت صادقة، رسالة جعلت الكثير يكشفون عن هويتهم وحقيقة الإنسان فيهم رغما عنهم، بقصد أو بغير إدراك، ترجمتها تعقيباتهم، رسائلهم، نصائحهم، أنّاتهم، وحتى ما فاضت به غيرتهم…!

نعم هم رجال ونساء، شباب وبنات، متزوجون ومن لازال في الانتظار، اطلعوا على ما كتبت إليك حرفا حرفا، منهم من صُدم، ومنهم من لم يفهم بعد المغزى والهدف من تلك الرسالة الخارجة عن سياق ما ألِفوا من كتابات كنت أنشرها كل مرة هنا وهناك، فهل هو تسريب خارج إرادتي ما كان ليقع بين أيديهم؟

طبعا لو خيّرت أن أكرّر التجربة لتريّثت قليلا حتى أنتقي كلمات ومعاني أفضل، فالبوح بصدق ما يختلج الصدر يترك في الإنسان أروع الذكريات، وأعمق الآثار، وأجمل اللحظات، فلم أخطئ هدفي أبدا، وإنما استمتعت كثيرا، وفوق كل ذلك استفدت أيضا، فرسالتي إليك يا حياتي، جعلتني أتعلّم الكثير كعادتي معك، وما كنت لأفوّت فرصة للتعلّم دون أن أصطاد منها فائدة ومغزى.

أردتها كذلك مقالة بطعم خاص، فلم أمدحك فيها لمجرّد المدح، وإنما أردتها رسالة تثير هزّة في قلب قارئها بعدما خاطبت لأكثر من مرة عقله، تحدث ضجّة في قناعاته وطريقة تفكيره بعدما صارت لديه بعض من وجهات نظره، قناعات راسخة لا مجال لمناقشتها، ولسانه يعبّر بأعلى صوت: إن كنت محِبّا فاكتم حبّك، وإن كنت متيّما فاحتفظ لنفسك بأحاديث قلبك، لأن هناك من لا يتقن تلك اللعبة، ولا يدرك تلك المغامرة، فلا داعي لإحراجه!

سأحكي لك عما فعلت رسالتي بمن قرأها، فهي لحد الآن لازالت تشكّل لغزا، وكم تمنّيت لو قرأتُ غيرها من غيري لغيرك، وقد كشفت رسالتي إليك نماذج مكنونات إنسان مغلوب على أمره، جعلت منه يتمنى لو تقمّص الدور ليخاطب حبيبته بتلك اللغة، ليس لأنها راقية أو بليغة، وإنما لكونها حديث القلب للقلب بإخلاص، وسلوى الفؤاد للفؤاد بمنتهى الفطرة، فالحب لدينا قيمة ذهبية تحتاج لمن يسبكها كلمات، ويصنع منها جواهر ذات بهجة لسامعها وناظرها.

أردت من رسالتنا أن أعبّر أنّ الحب ليس مجرد كلمات ترصّ في صفحات العالم الافتراضي إما إبداعا أو مجرّد نسخ من هنا وهناك ولصق في جدار أو نقشا فوق طاولة، الحب ليس عبارات مطبوعة على ورق أصفر أو أحمر مليء بالورود، إنما هو أسلوب حياة، بأخلاق راقية تقدّر للإنسان قدره، وتمنح للمحتاج حاجته من العطف والحنان والاحترام بمختلف الأساليب وتنوع القوالب، فحبي لك كزوجة حب، وحبي لأمي كأم حب، وحبي لأبي كأب حب، وحبي لبناتي كثمرة لحبّنا حب، وحبي لأسرتي كسند وعون في الحياة حب، وحبي لأصدقائي كمرآة وفرصة للإحسان حب، وحبي للإنسان عموما من باب الفطرة حب… وفوق كل هذا وقبله حبّي خالص لله عزّ وجلّ ولرسوله الكريم عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، والذي أسأل الله أن يكون فعلا وصدقا لا مجرّد ادّعاء!

سألني قرائي عن رأيي في الحب بصمت، وهل هو أبلغ أم التعبير بالقول والكلام، فأحيانا نفعل أشياء لم نكن لنفعلها إلا حبّا، فأرى أن الحب في أنصع صوره وأنقاها يتمثل في قول يتبعه إحسان، وابتسامة صادقة يتبعها فعل خالص لا تشوبه أية مصلحة، ووفاء صادق بالالتزامات من الطرفين يفرض احتراما، ويستدعي المهابة والثقة، فشيء من القول، وقليل من الفعل يصنعان الكثير الذي تتنزل به بركة من الله عز وجل، فالعبرة في البركة لا في رسم القلوب الحمراء في كل زاوية ولأي كان دون أن ينبع من ذات القلب ولبّه.

عاتبني بعضهم عن بعض ما أفصحت به لك في رسالتي، ولا أدري كيف هي ردّة فعلهم إن أنا أفصحت عن كل ما في قلبي -وما كنت لأقدر- وتبرير عتابهم تمثّل في ضرورة مراعاة من افتقد تلك الأجواء في بيئته، فإما أن تعيش مثلهم نكدهم، وإلا فأنت غير عاقل ولا نبيه، فما أغرب هذه النظرة التي ترمي إلى كبح جماح الخير في الناس ودعوتهم إلى تعميم الرداءة وإخفاء التفوق ولو في المشاعر، حفاظا على حال ووسطٍ أسري يعاني البوار والجفاف.

بفضلك حبيبتي وما تعلمت في حضرتك وبين يديك طيلة أعوامنا التي قضيناها معا، -نسأل الله بركتها- قد بلغتني رسائل كثيرة تحمل روح الاستشارة، وتطلب الاستنارة والاستئناس من تجربة يراها من يراها -ثقة ورقيّا- بأنها قاربت الصواب بشكل جلي، نسأل الله أن يجعلنا فوق ما يظنّون، وييسّر لنا سبل الخير ويجعلنا ممن خلقه الله للخير وأجرى الخير على يديه… آمين يارب العالمين.

أعلن أمامك ككل مرة تقديري واحترامي ووفائي والتزامي، وقبل وبعد كل هذا حبّي لك.. وتقديري لكلّ قارئ فطن فهم جوهر الرسالة وسعى بها في الخير.

حبيبك: جابر