غياب الدعم، أو انعدام الفرصة، عبارات تتداول من حين لآخر حينما نستفسر أنفسنا في حديث النفس أحيانا، وكذا في حواراتنا إذ نحاسب ذواتنا، ونستعرض أعمالنا، أو نتساءل عن تقصيرنا في موضوع معيّن، إلّا أن الواقع يفرض علينا التأمّل في ظروف مشابهة أو أكثر سوءا منّا وقد أنجز فيها أصحابها وحقّق ما لم نقدر عليه، فما السبب، وأين يكمن السرّ؟

رمي الظروف المحيطة بنا بثقل أسباب فشلنا وضغفنا، ما هو إلّا هروب نحو الأمام في الحقيقة، والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة، ما ينقصنا بالدرجة الأولى هي الخطوة الأولى، أو بصيغة أوضح هي المبادرة.

المبادرون في هذه الحياة وعبر التاريخ كثر، لكلّ منهم قصّته ومغامراته المبنيّة على نسبة كبيرة من المخاطرة، منها ما هو محسوب العواقب، ومنها ما كان على أمل وطموح حديديين هوّنا من صعوبة الطريق ووعورته، وأغلب الناجحين والعظماء عبر التاريخ من هذا الصنف.

لا تنتظر إشارة، أو أمرا، أو دعما من أوّل وهلة دائما، بل خذ زمام المبادرة وشقّ طريقك بثبات بعدما تكون لديك الصورة الذهنيّة المسبقة بما أنت ماض فيه، دارسا جدوى ذلك جيّدا، داعيا التوفيق والسداد من الله عزّ وجلّ، يقول عز من قائل: “إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا” (الأنفال 70)، ماهو طبيعيّ أنّك ستلاقي من المعارضة والمضايقة ما يختبر عزمك وصدقك أوّل الطريق، ثم ما تلبث أن تحاط بأسباب النصرة والتأييد لاحقا.

النجاح بعد المبادرة سنّة من السنن الكونيّة الإلهيّة، والله دائما ما يريد منّا الخطوة الأولى، وهي القيّام بالأسباب، ليكلأنا برعايته وتوفيقه، وليغمرنا بفيض بركته، فننجز ونحقّق ما لم يكن في الحسبان، لا نتصوّر الطريق سهلة يسيرة، إنّما بالصبر والعمل الدؤوب المتواصل، وبإخلاص وتفان، نسقط وننهض، نتعثّر ونثبت، تماما مثلما كنّا صغارا وأردنا تعلّم أولى خطواتنا في السير.

كن مبادرا وانشر فكرك فيمن حولك، وإن لم تكن كذلك فصاحب المبادرين تنل من طيب أثرهم، واترك عنك القاعدين المنتظرين.