أحييكم أحبابي قراء المدونة وأواصل في جزء جديد سرد خواطري وأهم محطاتي من الزيارة المباركة إلى أرض المغرب الأصيل، وبينما كان الجزء السابق مرتبا ترتيبا زمنيا تقريبا بأجمل اللحظات التي عشتها، إلا أني في هذا الجزء سأتناول الخواطر بطريقة أخرى.

سأفصّل بعض الشيء في هدف الرحلة الأساسي، وهو علمي أساسا وسياحي بدرجة ثانية، وهذا ما كنت مخططا له، إلا أني بعد أيام وجدتني أحقق عدة أهداف أخرى هامة رغم أنها لم تكن مسطرة ضمن العاجل، وأكتشف المزيد مما عليّ اكتشافه سواء ما تعلق بالتخصص أو مجالات الاهتمام، وحتى ما كان غير ذلك، لذا فمن هذا الجانب أقول قد حققت كل كنت أصبو إليه وأكثر.

الحدث العلمي هو الجامعة الصيفية التي نظمها المركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث الإنسانية، ضمن مشروع منبر الحرية، والمشاركة مع معهد كاتو من واشنطن الأمريكية، من 30 جوان إلى 5 جويلية 2013م، إذ بهذه النسخة تبلغ الجامعة عامها الخامس ودورتها التاسعة علما أنها تقام سنويا بدورتين، أولاهما في المغرب، والثانية في بلد عربي آخر، وقد تم اختيار الأردن لاستضافة الدورة العاشرة شهر سبتمبر المقبل إن شاء الله.

الجامعة الصيفية حدث علمي يجمع بين المحتوى الأكاديمي، والشكل الترفيهي السياحي المتجاوز لضوابط وقواعد التعليم الجامعي خلال بقية العام، فهي شبه مخيم، تطرح فيه إشكالية معينة ويستدعى لأجلها دكاترة وأساتذة ليحاضروا حولها، كل من زاويته وطريقة تحليله، ثم تكون بعدها المناقشة والإثراء من المشاركين، والذين هم أساتذة وطلبة من مختلف التخصصات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بموضوع الجامعة.

وعن شعار الجامعة الصيفية هذه الدورة فقد تناولت: التحول العربي بين “الانتقال الديمقراطي ومأزق الصراعات الداخلية” في حين كان الخطاب مركزا على الحراك (الربيع) العربي وما رافقه ولا زال من أحداث وآثار وانعكاسات سياسيا، اقتصاديا، إعلاميا، اجتماعيا، فكريا…، فاختلفت الرؤى رغم وحدة الهدف الجامع وهي كرامة الإنسان وعيشه ضمن مظلة من التعايش والانسجام والحرية، وهذا ما أضفى للجامعة الصيفية نكهة خاصة.

عن الأساتذة المدعوين فقد جاؤوا من عدة بلدان عربية أولها المغرب بأربعة محاضرين هم الفيلسوف د.محمد سبيلا ود. محمد تمالدو ود.إدريس لكريني ود.نوح الهرموزي، ثم الجزائر بعميد كلية الحقوق في ورقلة البروفيسور بوحنية قوي الذي كان لي شرف التعرف عليه عن قرب، أما من تونس فقد حظينا بمحاضرة قيمة من الدكتور محمد الحداد، ومن مصر الاقتصادي د. علي مسعود.

أما المشاركون فقد توافدوا من كل حدب وصوب، من المغرب، الجزائر، مصر، الأردن، لبنان، اليمن، العراق، وإن كنت أتمنى أن أجد كل الدول العربية حاضرة إلا أن من حضر كان فعلا في مستوى عال من الوعي والأخلاق باختلاف المشارب والمرجعيات، إذ كان لي الشرف في ربط علاقات جديدة، والتعرف على الكثير الكثير على يدهم مما كنت أجهل.

لاشك أن البارز في مشاركي الجامعات الصيفية تنوعهم وتمايز مستوياتهم وخلفياتهم، مما يوفر جوا من التنوع والإثراء، ويمنح الفرصة للاطلاع على مختلف التصورات، ومعالجة الفكرة الواحدة من عدة زوايا تفكير، كما هي فرصة لاختبار القدرات والإمكانات العلمية والمعرفية لدى كل مشارك، المهم هنا هو أن ندرك فن الاختلاف ونتعامل معه إيجابيا.

أما عن أرض الحدث والتي كانت من أروع ما أضفى للجامعة الصيفية بعدا آخر، بطبيعتها الخلابة ومناظرها الساحرة، وبحيرتها الآسرة للأنظار، فمنتجع ضاية الرومي بمدينة الخميسات بمرافقه المريحة على الطريقة المغربية الأصيلة مناسب جدا لمثل هذه الأحداث، إذ يمنح الراحة والتركيز، ويساهم بشكل أو بآخر في الاستيعاب والتفاعل مع الموضوع، خاصة مع المحاضرات الدسمة التي تحتاج فعلا لتفكيك وإعادة تركيب كل مرة.

أشير إلى أن من جملة أهداف المشاركة في هذه الأحداث العلمية، التوسع والاستزادة في مجال التخصص والاهتمام، بالإضافة إلى التواصل والتعارف، وكذا التدرب على مناهج وطرق جديدة من ناحية تنظيم وتأطير التظاهرات والأنشطة العلمية، واستلهام النماذج كالجامعة الصيفية وسيلة للتدريب والتدريس، وفي هذا الموضوع قد سجلت عدة أفكار وملاحظات، أستفيد منها مستقبلا.

في الأخير أتقدم بالشكر الجزيل لإدارة الجامعة الصيفية الشابة، فقد كانوا فعلا جنودا مجندة لتوفير كل ما يساعد على قضاء أيام علمية بامتياز، وشكري أيضا للأصدقاء المشاركين كل باسمه، ففيكم رأيت سمات التواضع ورقي الأخلاق، ومعرفتي بكم تزيدني شرفا، وشكرا لطاقم منتجع ضاية الرومي على تفانيهم في الخدمة وإخلاصهم فيها، وتحية للمغرب عموما، فحق لها أن تفتخر بأبنائها.

أتوجه بالشكر الجزيل لكل من تفاعل مع الجزء الأول من الرحلة، وستكون الحلقة المقبلة مواصلة في جوانب أخرى من الجامعة الصيفية… تابعوني 🙂