تتمة لخواطر رحلتي إلى المغرب بجزئيها الأول والثاني أواصل مع الجزء الثالث، إذ أحاول فيه التطرق لأهم ما استفدت من الجامعة الصيفية، فالحدث كان فعلا محطة هامة جدا يضاف لمحطات الحياة الخاصة، فيها تعلمت واستفدت واكتشفت الكثير، أحسست بقلة زادي تارة، ووقفت على ما يجب تحسينه وتطويره لدي تارة أخرى.

سألني الأصدقاء والمهتمون عن كيفية المشاركة في مثل هذه المناسبات العلمية، طبعا فلا توجد أسرار لذلك إنما هو من باب الاهتمام والتخصص، فأمثال هذه الفرص كثيرة جدا، يبقى أن تأتي في سياق ما يشتغل عليه صاحبها من بحث ودراسة، وشخصيا قد كنت من أيام أجمع أهم الفعاليات الصيفية التي تصبّ في دائرة اهتماماتي وتخدم مشواري العلمي والبحثي، وتناسب جدولي الزمني أساسا.

هذا بالإضافة لعامل مهم في نظري وهو البحث عن مدى احترافية وجدية الجهة المنظّمة، بالإضافة لقناعاتها وتوجهاتها، وهذا ما تسنّى لي عبر البحث في الإنترنت، وإجراء تحليل لأهم ما جاء في محتوى موقعها الرسمي، وكذا الاطلاع على الأحداث السابقة من جامعات صيفية وندوات ومؤلفات، وانطباعات من شارك فيها مسبقا عنها، كل هذا يوضّح لي الصورة ويمنحني قوة للقرار بنعم أو لا.

وجدت فرصة الالتحاق بفعاليات علمية كثيرة ومن مختلف البلدان، أرسلت طلب المشاركة لما رأيته مناسبا لي ومتقاطعا مع ما أريد وفق ما ذكرت سابقا، وانتظرت القبول إلى أن جاءت أولى البشائر من المغرب، فوجدتني أمام فرصة ذهبية لتوسيع الأفق واختبار المدارك، عزمت أمري وبدأت التخطيط للرحلة، محاولا استثمارها قدر الإمكان، بالإنصات والتعلّم، وبالتأمّل والتحليل، وقبل كل ذلك بالتواصل وبناء العلاقات.

من الطبيعي أن يبحث أي مشارك في الأيام الأولى لحدث مثل هذا عن أبناء بلده ليشعر معهم بشيء من الثقة والراحة، وليدخلوا معا الأجواء بشكل تدريجي، ففي الخارج تعتبر ابن وطنك أقرب الناس إليك، ثم شيئا فشيئا تبني العلاقات مع دوائر أوسع، وهذا بحد ذاته هدف من الأهداف قد حصل معي، فحاولت أن أستفيد قدر الإمكان من خبرات وتجارب الشباب المشاركين، فجلسنا معا مثنى وثلاث ورباع وأكثر وطرحنا العديد من المواضيع، تناقشنا وتحاورنا وتبادلنا وجهات النظر المتباينة والمنطلقة من خلفيات متنوعة وتحيزات متشعبة.

كان برنامج الجامعة الصيفية منقسم إلى قسمين أساسيين، أولاهما الجانب الرسمي والمبرمج، وثانيهما الأوقات الحرة والتي لم تخضع لبرمجة مسبقة إلا أنها حملت الكثير من المفاجآت، فاستفدت من الأولى الكثير من محاضرات الدكاترة الضيوف كل في مجال تخصصه وزاوية نظره، وكذا مداخلات الشباب المشارك وأسئلته العميقة، وقد كان لي نصيب يسير منها، حاولت فيه أن أدلي بدلوي وأتفاعل مع ما طرح من أفكار وآراء ووجهات نظر.

أما القسم الثاني والذي لا يقل أهمية من الأول فقد كان بعفويته مثمرا جدا، إذ تنوعت اللقاءات الجانبية فيه، سواء على ضفاف البحيرة، أو في مائدة الطعام، أو مختلف مرافق منتجع ضاية الرومي الساحر، أو حتى خلال الرحلة السياحية التي نظمتها إدارة الجامعة للمشاركين، فكلها كانت مفيدة بتبادل الثقافات والقناعات، وحتى المواهب والقدرات، مما ترك ذكريات سعيدة خالدة للجميع، وهذا ما ترجمته أجواء الوداع المؤثرة آخر يوم من أيام الجامعة الصيفية.

ومما لا يجب إغفاله أو المرور عليه مرور الكرام أداء الشباب المنظمين للجامعة الصيفية، فقد كانوا حقا في المستوى وسايروا بذكاء كل تلك الاختلافات في التصورات والتصرفات، وسيطروا دون أي تكلّف على مختلف الأذواق مراعين تنوع المشارب وتضادها أحيانا، فلهم أوجه تحية خاصة، وأعترف لهم بالفضل، فلم أكن أمرّر نشاطهم الدؤوب وتسييرهم المحكم دون تأمل وتحليل، كوني محتاج لتلك الخبرة في الفعاليات التي أكون فيها مثلهم منظّما.

لذا فقد استخلصت وتيقنت أن سرّ المتعة والاستفادة من هذا الفعاليات الخاصة في التنازل وسعة الصدر ورحابة الأفق وسمو الأخلاق، وتقديم الإنصات على الكلام، إذ لا تهم هناك إلا هذه المعايير، إن أتقنتها وأدركتها ظفرت بكل ما يمكن الظفر به من علاقات وأفكار وزدت لمعارفك زادا ورصيدا لا يتاح لك دائما، وبالحرص على ترك السمعة الطيبة، بعيدا عن التطرف والتمييع، متوازنا حكيما في القول والفعل.

بهذا أكون قد أحطت تقريبا بأهم جوانب الجامعة الصيفية، وأرحب بأي استفسار في هذا الموضوع، كما أذكر أني سأتناول في الحلقة المقبلة إن شاء الله رحلتي للرباط… تابعوني 🙂