قدر الله لي أن أكون خارج الجزائر في بداية مرحلة كورونا التي تحولت لاحقا إلى أزمة ووباء، واجتاحت العالم مسببة له الشلل في كل مفاصله تقريبا، وقد تسنت لي فرصة العودة إلى أرض الوطن أياما فقط قبل إغلاق المطارات وتعليق كل الرحلات الدولية، وبقي الحال كذلك طيلة سبعة أشهر تقريبا، قبل أن يتاح لي السفر ثانية نحو الخارج في رحلة كلها مغامرة واكتشاف للجديد.
لم أكن أعلم بإمكانية السفر إلا قبل أيام قليلة من الرحلة، وذلك لأني كغيري من كل المتابعين ننتظر قرار الدولة بفتح المطارات، رغم الأرقام المطمئنة فيما يتعلق بحالة الوباء في الجزائر إلا أن الغموض كان سيد الموقف في أي معلومة تتعلق بعودة الحياة إلى طبيعتها ولو تدريجيا كما تفعل أغلب دول العالم رغم تعقد حالتها مقارنة بنا، إلا أن للسلطة رأي آخر.
الكل كان ينتظر حينها، سواء المدارس والجامعات أو النقل العمومي بين الولايات، أو الطيران الداخلي إلى الرحلات الدولية، بين من تعطلت مصالحه، ومن تعثرت أعماله، ومن سئم مرحلة الترقب والبقاء منتظرا دون أفق واضح، ولكن تفاجأت حينما زرت المطار مرافقا لصديق بشاشة عرض الرحلات تؤشر لكل الرحلات ب “ملغى” إلا رحلة واحدة إلى مطار شارل دوغول بباريس، وعندما سألنا، وجدنا أن الأمر متعلق برحلة يومية طيلة شهر كامل وبضعة أيام ذهاب وعودة إلى فرنسا عبر الخطوط الجوية الفرنسية حصريا.
هنا يمكنك فهم أي شيء، واستنتاج ما تريد، خاصة أن الأمر تعدى ذلك إلى حجز تذاكر الرحلات عبر مكتب الخطوط الجوية الجزائرية، ومن حق أي مواطن أن يشك ويتوجس ويطرح الأسئلة وتتراكم حوله علامات الاستفهام، وأي تفسير سوف لن يقنعه.. تركت كل ذلك جانبا وتقدمت نحو موظف من موظفي المطار بعدما لاحظت تعليقه لشارة تبين ذلك، وطلبت منه أن يخبرني عن المعنيين عن تلك الرحلة، وأشار إلي بأن أسأل مدير الرحلة، وذهب بنفسه مشكورا يطلب منه ذلك، وما إن وصلت إليه رحب بي وطرحت عليه السؤال..
بعدما عاين وضعيتي وعرضت عليه بعض الوثائق، قال لي: أنت معني بالرحلة ويمكنك الحجز عبر الخطوط الفرنسية ثم لك إمكانية المواصلة مع نفس الشركة أو مع أي شركة أخرى تتوفر على تلك الوجهة، ومن هناك بدأت فعليا بمباشرة إجراءات السفر مع التحري والبحث لحد المبالغة لعلي أنسى شيئا أو أتجاوز خطوة مهمة من الخطوات المستحدثة بسبب فيروس كورونا، فتفشل بذلك كل المساعي وأصاب بخيبة أخرى بعد خيبات عديدة..
بدأت رحلة البحث عن أفضل عروض الرحلات من باريس إلى مسقط، بما أن الرحلة الوحيدة من الجزائر لا تفاوض ولا بدائل في سعرها المبالغ فيه، وجدت أكثر من عرض ولكن ارتحت وقررت أخيرا أن أختار الخطوط الجوية القطرية لاعتبارات كثيرة فضلا عن السعر، وبعدما تأكدت من الإجراءات المطلوبة في مطاري باريس والدوحة وجدتني على أتم الاستعداد لخوض تجربة جديدة في السفر باحترازات كورونا.
عندما قررت تاريخ الرحلة والقيام بالحجز أونلاين لرحلتي من باريس إلى مسقط مرورا بالدوحة تم ذلك بسرعة ودون أي إشكال، جاء الدور على تذكرة الجزائر باريس، وهنا بدأت قصة من الجري والمتاعب بسبب نقص المعلومات، وافتقادنا لأنظمة الدفع الإلكترونية، ورغم كل ذلك كنت محظوظا جدا لأني مقيم في العاصمة، لأن المعاناة الحقيقية هي لسكان باقي الولايات وقد رأيت الكثير من المواقف المؤسفة ولسان حالهم يقول: شدّة وتزول، أيام فقط وستنتهي الأزمة بمغادرتنا أرضية المطار.
يتبع في الحلقة القادمة…