يسر الله لي أن أزور تونس للمرة الثالثة مؤخرا، وإن كانت زيارة مغايرة تماما لسابقاتها باعتبار فاصل الثورة بينها، فلم تخل بالتميز بالكثير من التجارب التي عشتها لأول مرة، إذ كانت المناسبة حضور الدورة الثانية للملتقى المغاربي التركي للثقافة والاقتصاد برفقة خيّرة، أضفت للمهمة ذوقا وبعدا جميلا.
الملتقى من تنظيم المنتدى المغاربي للتعاون الدولي برئاسة الدكتور محمد العادل، وبإشراف رئيس الدولة الدكتور محمد منصف المرزوقي في الفترة من 20 إلى 25 فيفري 2014م، وقد كان الملتقى من بشارات الثورة التونسية، إذ لم نعهد من تونس تنظيم أمثال هذه الفعاليات من غير مؤسسات الدولة، ولكن هذه المرة كان المهمة على عاتق مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني.
الزيارة كانت برّا وهذه من بركات حسن الجوار، فلا يحتاج الجزائري للكثير من التفكير والتدبير ليزور تونس، بل يعتبرها الكثيرون ولاية أخرى من ولايات الجزائر لا تختلف زيارتها إلا في بعض الجزئيات الإدارية، إضافة لوجه الشبه الكبير في الكثير من جوانب الحياة بيننا.
بداية كان الانطلاق من العاصمة الجزائر باتجاه الجهة الشرقية عبر الطريق السيار شرق غرب، والذي رغم جمال المناظر الطبيعية من جوانبه على طول الطريق، إلا أنه بدأ يتآكل بفعل الاستعمال وبسبب نقص الصيانة، فحتى محطات الاستراحة لم تسلم من الأعطاب الكثيرة والنقائص، وهذا مما أرجو أن يتحرك بشأنه القائمين على المشروع وغيره من المشاريع الحديثة بما يضمن صيانتها واستمراريتها.
وصلنا الحدود الجزائرية التونسية، وكانت نوعا ما أخف حدة من الزيارات السابقة من حيث الإقبال، فالطابور لم يكن طويلا حتى حان دورنا واجتزنا للضفة الأخرى بعلَم جديد، وأرض جديدة، ولافتة مكتوب فيها، مرحبا بإخواننا الجزائريين، فرددنا التحية بأفضل منها وانطلقنا نحو وجهتنا في مدينة الحمامات.
في الطريق لم نشعر كثيرا بغربتنا عن وطننا، فالطبيعة هي نفسها، والمباني كثيرة الشبه لحد بعيد، إلا من أعلام تونس ترفرف فوق المباني الإدارية، وكذا لوحات ترقيم السيارات بشكل مغاير لما ألفنا في الجزائر، ومع ذلك فالكثير من السيارات الجزائرية إما رافقتنا أو جاءت من الاتجاه المعاكس مغادرة تونس، جعلتنا أكثر راحة بكوننا في أرضنا وبين أهلنا وأحبابنا.
وصلنا ياسمين الحمامات والتي لم تكن بنفس النشاط الصيفي، فالموسم ليس موسم سياحة، والهدوء يعم المكان بشكل واضح، مقارنة مع الزيارة السابقة في الصيف، ومما لاحظته عيانا فالكثير من الفنادق والمرافق السياحية أخذت راحة بانتظار استقبال موسم السياحة، فيما استغلت بعض المرافق الإجازة للقيام بأعمال الصيانة استعدادا لموسم كثيف بالعمل دون انقطاع.
في الفندق وجدنا إقبالا كبيرا من ضيوف الملتقى مثلنا، من الدول المغاربية، وكذا الإخوة الأشقاء من الدول العربية الأخرى مثل السعودية والبحرين والعراق وقطر، وبما أن الملتقى مغاربي تركي فقد كان الحضور التركي نوعيا وواضحا، يعكس مدى اهتمامهم بأمثال هذه الفعاليات بحثا عن فرص شراكة واستثمار جديدة.
وعن الحضور الجزائري فهو كذلك حضور كبير وكثيف مقارنة بالوفود المغاربية باستثناء تونس صاحبة الضيافة، مع ملاحظة أن المشاركين في شق الملتقى الثقافي أكبر منهم في الجانب الاقتصادي، ومع توالي فقرات الملتقى وفعالياته ظهرت الفروق في الأهداف والاهتمامات من المشاركين ولكل وجهة هو موليها.
فالاقتصاديون جاؤوا بغرض البحث عن فرص الاستثمار مع الأتراك إما في تونس نفسها أو في بلدانهم كل حسب حجم استثماراته وطريقة عمله، فيما من جاء للتبادل الثقافي يهدف إلى ربط جسور التعاون في المجال الخيري أكثر، واستعراض الزاد الثقافي وبحث سبل تطويره وترقيته بالحضور في مختلف المناسبات هنا وهناك.
بينما القائمون على الملتقى كانت لهم نظرتهم الخاصة بشأن المزج بين التخصصين بأنهما يخدمان بعضهما البعض بطريق مباشر أو غير مباشر، ولكل اجتهاده وتفكيره، فالمهم من وراء كل هذا هو تحقيق الملتقى لأهدافه، وهذا ما سأتحدث عنه في الحلقات المقبلة وأمور أخرى كثيرة من رحلتي إلى تونس إن شاء الله.