تظاهرة الوسام، هكذا صارت على كل لسان محب متشوق لها، هي بذرة وجدت تربتها، وارتوت كنبتة لتستوي على سوقها، بأيدي صادقة مخلصة، وغيث أفكار عذبة هادفة، هو يوم تجددت فيه النوايا، واستلهم العزم منه طاقته فحلق بعيدا…
مشاعر ارتسمت جلية على محيا كل من حضر الحفل ذلك اليوم، فمن مكتشف لأول مرة، إلى من تعوّد الحضور كل عام، كلهم بروح مستبشرة خيرا للوطن، وعيون دامعة فرحا ودعاء… بل بات كل ركن في الحفل يحكي قصة تنظيم محكم، واستعداد مسبق، وتخطيط مبدع من شباب أبوا إلا أن يسجلوا بصمة مشرفة في سجل تاريخ الجزائر.
اكتظت القاعة بالحضور نعم، لكن أي حضور؟ هل هم من النخب فقط؟ أم هم صنف من الناس جمعهم تخصص علمي مشترك؟ تساءل الناس حقيقة… من كان معنيا بالحضور؟… هي تساؤلات بلغت مسامعي، وقد سئلت فيها أيضا بحكم العادة والمألوف عند سائلها وما عايش وشهد من تجارب، وقد جاءت الإجابات واضحة وتكررت مرارا طيلة فقرات الوسام… هي مبادرة من وإلى الجميع، يحمل همّها الجميع، ويسقي بستانها الجميع، في الأخير هي ليست ملكا إلا للجميع…
لما انطلق الحفل كنت قد حظيت بمقعد في المقدمة مزاحمة للعلماء وذوي الفضل، وتشريفا ممن ظن بي خيرا وهو أهل لكل خير، لكني بعد بضع دقائق وجدتني أقف في آخر القاعة مع الواقفين، فلم أكن لأستطيع الجلوس وقد التفتّ خلفي لأرى طلبة وأساتذة وضيوفا هم أولى مني بالمقدمة وشرفها، وهنا إشارة لطيفة لما ميز الوسام أيضا، فالقاعة مزيج من كل فئات المجتمع الجزائري الثري بتنوعه الذي يصنع لوحة جميلة عنوانها التكامل، وقد جمعهم العلم ووفد بهم إلى قاعة الفندق، فيما زانتهم أخلاقهم فآثروا الجلوس جنبا إلى جنب تغلبهم عبراتهم تأثرا بما يرون ويشاهدون، مفضلين الصمت والتأمل، فمن سارح في خيالات طموحاته، إلى مستغرق في أعماق آماله وآفاقه إلى حائر بين ما كان يسمع ويصل إلى مداركه وبين ما يراه رأي العين حقيقة لا حلما… نعم للجزائر علماؤها، تتردد في أنحاء جسمه دون توقف…
الوسام على غير عادة الحفلات والتظاهرات، كان الحدث فيه في كل أرجاء القاعة التي ضمّته، وفي كل مراحل التظاهرة زمانا، ولم تقتصر الأضواء على المنصة والمقدمة، رغم تألق العالم المكرّم وإلهامه للحاضرين والحاضرات بكلماته وأفكاره، ولتواضعه فضّل الوقوف، ولغزارة إحسانه وفطنة بداهته، لم ينس والدته ولم يغفل ذكر أستاذه الذي تكبد الصعاب ليأتي من مدينته “المغير” إلى العاصمة بالحافلة وفاء وتقديرا…
وبينما محطات الوسام وفقراته تمر عجالا والكل في اهتمام وتركيز يسأل الله بركة الوقت وطوله كي لا تعلن لحظات الفراق بسرعة، كنت كالحاضر الغائب غارقا في أفكاري أتأمل حجم المبادرة قبل سنوات وما بلغته من مقامات رفيعة الآن، كل الأرقام تغيرت وتضاعفت، لكن.. هل العبرة في هذه المقامات بالأرقام؟ أليست هناك أفكار أكبر حجما آلاف المرات لكنها خاوية من روحها، مفتقدة لمعناها؟
نعم هو الوسام في تميزه وتفرده، سيكبر معنى ومبنى، ويشع أثرا ونورا، في أرجاء الجزائر كلها، جزائر الإنسان الذي أدرك المعنى بالعلم والأخلاق والأمل والعمل…
خاطرة كتبتها بمناسبة حفل وسام العالم الجزائري في نسخته الثامنة، والذي أقيم بفندق الهلتون في الجزائر العاصمة يوم السبت 21 نوفمبر 2015م