مرحبا بك في الجزء الرابع من مذكرات رحلتي الأوروبية وإن جاءت متأخرة بعض الشيء لتتابع الأحداث مما حال بيني وبين الجلوس لتجميع أفكاري ونشرها في المدونة، والآن بعد عودتي للجزائر سأتناول ما بقي من الأجزاء تباعا…
أول ما وصلنا إلى أمستردام في هولندا عبر الحافلة أفادنا السائق المغربي مشكورا بمعلومات هامة حول المدينة فقد كان يعيش فيها لمدة 17 عاما قبل أن ينتقل إلى بروكسل، فانطلقنا بداية في جولة سياحية بالسفينة مع جمع من الناس من مختلف أنحاء العالم جاؤوا ليكتشفوا روعة المدينة القديمة الحديثة، فمنهم من جاء بأسرته كجائزة لتفوق أبنائه في الدراسة، ومنهم من اختار المدينة كوجهة مفضلة لقضاء شهر العسل…
الجولة السياحية عبر الأنهار المنتشرة في أزقة المدينة كانت حقا تجربة شيقة جدا خاصة مع توفّر الشرح عند الوصول لأية محطة وسرد تاريخها وبعض تفاصيلها، من هنا نكتشف تلك المكانة التي تحتلها السياحة في مدينة كأمستردام فلم يترك شيء فيها للصدفة من جهة، كما لم نلمس أي تكلّف في التعامل مع السياح كما وجدته في مدن أخرى سابقا.
الملتفت للأنظار ونحن في نرى أرجاء المدينة تلك الأعداد الهائلة من الدراجات الهوائية إذ هي الوسيلة المفضلّة لسكان أوروبا عموما، فقد خصصت لها طرق وإشارات مرور ومواقف بدقة واضحة، حتى أنه من المعتاد جدا أن أن ترى رجلا مسنّا أو مرتديا ملابس أنيقة أو امرأة أو طفل أو غيرهم من مختلف طبقات المجتمع وهم يستمتعون بقيادة الدراجة ذاهبين أو عائدين من العمل أو الدراسة أو غيرها من المصالح.
أما عن السيارات فهي موجودة لكن أقل عدد من الدراجات الهوائية، وما لفت انتباهي وجود سيارات تشتغل بالكهرباء وهي موصولة في الشارع بمصدر طاقتها لشحن البطارية، وهذا في حد ذاته خطوات نوعية نحو التقليل من مخاطر التلوث من جهة وإنذار للدول النائمة فوق النفط، الغافلة في سرابه ووهمه.
عن المباني فهي رغم قدمها بقرون عديدة إلا أن الصيانة والمتابعة فيها واضحة جدا، حتى صرنا بانتقالنا من شارع لآخر وكأننا ننتقل مكانيا وزمانيا، فبعض المباني قد شيدت في القرن 14 حسب ما كتب فيها، وكذا وفق ما ذكرته المرشدة السياحية في رحلة السفينة.
أمستردام بجمالها استهوت إليها الناس من كل حدب وصوب، حتى أن مطاعم الحلال المنتشرة في أحيائها دليل على توافد المسلمين إليها بكثرة، وأيضا لتفضيل الكثير من غير المسلمين لذلك النوع من الأكلات لما فيه من فوائد غذائية لا تخفى على أحد، ومن بين ما رأيناه بصورة أبرز محلات الأجبان بمختلف ألوانها وأذواقها وأشكالها وأسعارها كذلك، وهي نتاج المراعي الشهيرة المنتشرة في ضواحي هولندا.
زرنا معرض السعادة في جسم الإنسان Body Worlds وهي فكرة رائدة جلبت إليها الكثير من الزوار مثلنا، معرض في 6 طوابق كل طابق منها يعرض أجزاء من جسم الإنسان ويقارن بين حالته سعيدا وأخرى تعيسا قلقا والأثر الذي يتركه ذلك في الجسم، كما يقدم نصائح وتلميحات مفيدة ليكون الإنسان سعيدا، ولكن المعلومة الأغرب هي أن كل الأجزاء المعروضة والهياكل العظمية واللحمية هي لأشخاص حقيقيين لا مجرد محاكاة!
أمستردام ورغم كونها مدينة مائية ومنخفضة جدا إلا أنها تحتوي على خطوط ميترو الأنفاق، وهذا الملحظ جعلني أقف على حجم التحدي وتناول الأفكار بالعلم لا مجرد الأهواء والتسارع لكلمة “مستحيل” فالإنسان إن حكّم عقله وركّز جهده وطهّر فكره ووجّه هدفه سيصل… لا بالمعجرات والكرامات ولكن بالسنن الكونية والأسباب المنطقية.