كم هو مفيد أن يحيا الإنسان من حين لآخر تجربة جديدة ليكتشف المزيد مما خفي عليه، فهذه المرة يسّر الله لي زيارة عمل إلى أوروبا وبالضبط للعاصمة البلجيكية بروكسل، كما في البرنامج أيضا جولة في المزيد من دول فضاء “شينغن” إن شاء الله حسب المتاح من الوقت في ظل الالتزامات والظروف.
بداية كانت رحلة البحث عن التأشيرة مغامرة كما يعلم الجزائريون، ففي كل مرة مما سبق كلما هممت باستخراج تأشيرة شينغن رأيت أمامي تلك العقبات وأكوام الأوراق الضرورية لإتمام الإجراءات المملة، يكون مصير الفكرة التأجيل لعدم توفّر بعض الشروط من جهة ولوجود بعض من “الأنَفة” التي تجعلني أتخلى عن الفكرة إلى أجل غير مسمى كوني أرى في الأمر أكثر من مجرد ملف إداري مطلوب!
المهم هذه المرة تيسّرت الأمور بفضل الله وكانت الإجراءات خفيفة نوعا ما، مع عدم تعليق آمال كبيرة في الحصول على التأشيرة، لكن الفرج جاء وتم الاتصال من السفارة البلجيكية عن طريق الجهة المنظمة للرحلة بكون التأشيرات جاهزة، بعدها أتممت إجراءات السفر المعتادة مع أخي الذي تشرّفت برفقته.
السفر كان عن طريق الخطوط الألمانية lufthansa وهي شركة ذات مستوى جيد عموما وهي أفضل بكثير من الإيطالية، لكن دون مستوى القطرية والإماراتية وفق تجربتي معهما، لكن عموما كان الرحلة خفيفة رغم التوقف والتحويل في مطار فرانكفورت بطائرة أخرى إلى بروكسل، عموما لم أكن أود السفر في الخطوط الجوية الجزائرية التي تتوفر على رحلة مباشرة من الجزائر نحو بروكسل وهذا حفاظا على عامل المتعة للرحلة، وحفاظا على الحد الأدنى من الود الذي بقي بيننا!
بعدها وصلنا إلى وجهتنا الأولى في بروكسل ودخلنا الأراضي الأوروبية التي كثيرا ما شكلت حاجزا نفسيا لمن يود زيارتها ومنعته التأشيرة، مع أن هذا المنع -للأمانة- ليست مشكلة الدول الأوروبية بقدر ما هي مشكلة الدول التي تصدّر لها مواطنيها، وكم من دولة تحترم نفسها وشعبها وجدت الباب مفتوحا على مصراعيه في أوروبا لا لشيء سوى لأن مواطنها يحمل جواز سفرها، ففي المطارات اعلم أن قيمتك بكل بساطة هي جواز سفرك لا أكثر ولا أقل.
مدينة بروكسل كغيرها من العواصم الحيّوية، فيها كل وسائل النقل الممكنة تقريبا، كما أن مخطط المدينة فيها بديع ومعمارها مزيج جميل بين بناء قديم يحكي قصّة سطوة الكنيسة وسنين الظلام التي مرت بأوروبا مقابل صحوة وحضارة إسلامية سواء في مشرقها أو أندلسها، وبين بناء حديث يحكي قصة قارة نفضت عنها ثوب التخلف واستجمعت قواها لتصبح قوة في اتحادها وتنوعها، بينما هناك من جعل من قريته المجهرية المنسية جزرا متناحرة متناطحة شكلت لديه صداعا وذلا مزمنا.
مما يشعر به الإنسان وهو يلتقي أو يرافق شخصا مبدعا ملهما أو يتجوّل في شوارع المدن الكبرى تلك النشوة ببلوغ هدف ما وإنجاز مهمة ما، وهذا شعور منقوص زائف أقرب للوهم منه للحقيقة، ما لم يتبعه باستفادة حقيقية فعالة من أسباب ذلك الألق وإسقاطه على المستوى الشخصي أولا، وإلا فلن يكون ذلك الشعور لاحقا سوى نزوة عابرة تدخل طي الذكريات الفانية.
دخلنا المدينة وتوجهنا للفندق طلبا للراحة بعد عناء السفر واستعدادا ليوم جديد نبدأ فيه العمل إن شاء الله، أتوقف هنا لأواصل في الجزء الثاني من خواطر الرحلة الأوروبية… إلى اللقاء.